الأحد، ديسمبر 18، 2011

حسن الظن بالمسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

في الحقيقة أن هذا الموضوع مفيد جدا رزقنا الله وإيكم حسن الظن بالله وحسن الظن بالله عبادة قلبية جليلة لا يتم إيمان العبد إلا به لأنه من صميم التوحيد وواجباته ، حسن الظن بالله هو ظنّ ما يليق بالله تعالى واعتقاد ما يحق بجلاله وما تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العليا مما يؤثر في حياة المؤمن على الوجه الذي يرضي الله تعالى ، تحسين الظن بالله تعالى أن يظن العبد أن الله تعالى راحمه وفارج همه وكاشف غمه وذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله وعفوه وما وعد به أهل التوحيد ، حقا . إنه مسلك دقيق ومنهج وسط بين نقيضين لا يسلكه إلا من وفقه الله وجعل قلبه خالصاً له سبحانه ، لذلك ينبغي أن يكون سمة لازمة يتجلى في حياة المؤمن وعند احتضاره وقرب موته . وحسن الظن بالمؤمنين الظاهر صلاحهم واجب وقبله التعبد لله تعالى بحسن الظن به لأن الله تعالى عند حسن ظن عبده به اللهم ارزقنا حسن الظن بالله ثم بالمؤمنين . ومن أهمية حسن الظن بأهل الدين والذي يجب أن لا نغفل عنه في وقتنا الحالي .

قال في نهاية المبتدئين : حسن الظن بأهل الدين حسن , ظاهر هذا أنه لا يجب , ظاهره أيضا أن حسن الظن بأهل الشر ليس بحسن , فظاهره لا يحرم , وظاهر قوله عليه السلام { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } أن استمراء ظن السوء وتحقيقه لا يجوز , وأوله بعض العلماء على الحكم في الشرع بظن مجرد بلا دليل وليس بمتجه .

وروى الترمذي عن سفيان : الظن الذي يأثم به ما تكلم به , فإن لم يتكلم لم يأثم . وذكر ابن الجوزي قول سفيان هذا عن المفسرين , ثم قال : وذهب بعضهم إلى أنه يأثم بنفس الظن ولو لم ينطق به , وذكر قبل ذلك قول القاضي أبي يعلى : إن الظن منه محظور وهو سوء الظن بالله , والواجب حسن الظن بالله عز وجل , وكذلك سوء الظن بالمسلم الذي ظاهره العدالة محظور , وظن مأمور به كشهادة العدل , وتحري القبلة , وتقويم المتلفات , وأرش الجنايات , والظن المباح كمن شك في صلاته إن شاء عمل بظنه وإن شاء باليقين .

وروى أبو هريرة مرفوعا { إذا ظننتم فلا تحققوا } وهذا من الظن الذي يعرض في قلب الإنسان في أخيه فيما يوجب الريبة فلا ينبغي أن يحققه الظن المندوب إليه إحسان الظن بالأخ المسلم , فأما ما روي في حديث { احترسوا من الناس بسوء الظن } فالمراد الاحتراس بحفظ المال مثل أن يقول : إن تركت بابي مفتوحا خشيت السراق انتهى كلام القاضي .

ذكر البغوي أن المراد بالآية سوء الظن ثم ذكر قول سفيان , وذكر القرطبي ما ذكره المهدوي عن أكثر العلماء أن ظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز وإنه لا حرج بظن القبيح بمن ظاهره قبيح .

وقال ابن هبيرة الوزير الحنبلي : لا يحل والله أن يحسن الظن بمن ترفض ولا بمن يخالف الشرع في حال .

وقال البخاري في صحيحه ( باب ما يكون من الظن ) ثم روي عن [ ص: 46 ] عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا } وفي لفظ " ديننا الذي نحن عليه " قال الليث بن سعد : كانا رجلين من المنافقين .

وعن عبد الله بن عمرو الخزاعي عن أبيه قال . { دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح فقال لي التمس صاحبا فجاءني عمرو بن أمية الضمري فقال : بلغني أنك تريد الخروج إلى مكة وتلتمس صاحبا قلت أجل قال : فأنا لك صاحب قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : قد وجدت صاحبا فقال من ؟ قلت عمرو بن أمية الضمري فقال إذا هبطت بلاد قومه فاحذره فإنه قد قال القائل أخوك البكري ولا تأمنه قال : فخرجنا حتى إذا كنا بالأبواء قال : لي إني أريد حاجة إلى قومي بودان فتلبث لي قليلا قلت راشدا , فلما ولى ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فشددت على بعيري حتى خرجت أوضعه , حتى إذا كنت بالأصافر إذا هو يعارضني في رهط قال : فأوضعت فسبقته فلما رآني قد فته انصرفوا , وجاءني فقال : كانت لي إلى قومي حاجة قلت أجل قال : ومضينا حتى قدمنا مكة فدفعنا المال إلى أبي سفيان . } .

رواه أحمد وأبو داود وعبد الله بن عمرو وتفرد عنه عيسى بن معمر مع ضعف عيسى ورواه عن عيسى بن إسحاق بصيغة عن , وترجم أبو داود على هذا الخبر , وخبر أبي هريرة الذي في الصحيحين { لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين . }

باب ( في الحذر من الناس )

وقال أيضا في باب حسن الظن : ثم روي من رواية شتير ولم يرو عنه غير محمد بن واسع عن أبي هريرة قال نصر بن علي : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { حسن الظن حسن العبادة } وكذا رواه أحمد ثم روى أبو داود خبر صفية الذي في الصحيحين أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تزوره وهو معتكف وأن رجلين من الأنصار رأياهما فأسرعا فقال النبي : { على رسلكما إنها [ ص: 47 ] صفية بنت حيي فقالا سبحان الله يا رسول الله قال إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا أو قال شرا } .

قال ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس قال عمر بن الخطاب : رضي الله عنه لا يحل لامرئ مسلم يسمع من أخيه كلمة يظن بها سوءا وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجا . وقال أيضا : لا ينتفع بنفسه من لا ينتفع بظنه .

وقال أبو مسلم الخولاني : اتقوا ظن المؤمن فإن الله جعل الحق على لسانه وقلبه , وقد ذكرت في موضع آخر قوله : عليه السلام { اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله } رواه الترمذي , وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم { إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه } وسئل بعض العرب عن العقل فقال : الإصابة بالظنون ومعرفة ما لم يكن بما كان وقال علي بن أبي طالب : رضي الله عنه : لله در ابن عباس إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق .

قال الشاعر :

وأبغي صواب الظن أعلم أنه
  إذا طاش ظن المرء طاشت معاذره

وقال ابن عباس : الجبن والبخل والحرص غرائز سوء يجمعها كلها سوء الظن بالله عز وجل.

وقال الشاعر :

وإني بها في كل حال لواثق
ولكن سوء الظن من شدة الحب

وقال المتنبي :

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
  وصدق ما يعتاده من توهم

وقال أبو حازم : العقل التجارب . والحزم سوء الظن وقال الحسن البصري : لو كان الرجل يصيب ولا يخطئ ويحمد في كل ما يأتي داخله العجب . وقال عبد الله بن مسعود أفرس الناس كلهم فيما علمت ثلاثة : العزيز في قوله لامرأته حين تفرس في يوسف { أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا } وصاحبة موسى عليه السلام حين قالت [ ص: 48 ] { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } وأبو بكر الصديق رضي الله عنه حين تفرس في عمر رضي الله عنه واستخلفه . نظر إياس بن معاوية يوما وهو بواسط في الرحبة إلى آجرة فقال : تحت هذه الآجرة دابة , فنزعوا الآجرة فإذا تحتها حية منطوية , فسئل عن ذلك فقال إني رأيت ما بين الآجرتين نديا من بين الرحبة فعلمت أن تحتها شيئا يتنفس , ونظر إياس بن معاوية يوما إلى صدع في أرض فقال في هذا الصدع دابة , فنظر فإذا فيه دابة , فقال : الأرض لا تنصدع إلا عن دابة أو نبات . قال معن بن زائدة : ما رأيت قفا رجل قط إلا عرفت عقله . وقال وهب بن منبه خصلتان إذا كانتا في الغلام رجيت نجابته الرهبة , والحياء , ومر إياس بن معاوية ذات ليلة بماء فقال أسمع صوت كلب غريب قيل : له كيف عرفت ذلك ؟ قال : لخضوع صوته وشدة صياح غيره من الكلاب , قالوا فإذا كلب غريب مربوط والكلاب تنبحه . وقال عمرو بن العاص أنا للبديهة ومعاوية للإناءة , والمغيرة للمعضلات وزياد لصغار الأمور وكبارها . أراد يوسف بن عمر بن هبيرة أن يولي بكر بن عبد الله المزني القضاء فاستعفاه فأبى أن يعفيه فقال : أصلح الله الأمير ما أحسن القضاء قال كذبت قال : فإن كنت كاذبا فلا يحل لك أن تولي الكذابين . وإن كنت صادقا فلا يحل لك أن تولي من لا يحسن . وفي الصحيحين أو صحيح البخاري عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال { قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه أمر القعقاع . وقال عمر رضي الله عنه أمر الأقرع بن حابس . فقال أبو بكر ما أردت إلا خلافي , فقال ما أردت خلافك . فتماريا حتى ارتفعت [ ص: 49 ] أصواتهما فنزلت في ذلك { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } حتى انقضت فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه حتى يستفهمه } .

وروى الحاكم في تاريخه عن بشر بن الحارث يعني الحافي قال : صحبة الأشرار . أورثت سوء الظن بالأخيار . وروي أيضا عن أبي بكر بن عياش قال لا يعتد بعبادة المفلس فإنه إذا استغنى رجع .

سوء الظن بالناس :

يغلب على البعض من الناس اليوم خلق ذميم ربما ظنوه نوعاً من الفطنة وضرباً من النباهة وإنما هو غاية الشؤم بل قد يصل به الحال إلى أن يعيب على من لم يتصف بخلقه ويعده من السذاجة وما علم المسكين أن إحسان الظن بالآخرين مما دعا إليه ديننا الحنيفة فالشخص السيئ يظن بالناس السوء ، ويبحث عن عيوبهم ، ويراهم من حيث ما تخرج به نفسه أما المؤمن الصالح فإنه ينظر بعين صالحة ونفس طيبة للناس يبحث لهم عن الأعذار ، ويظن بهم الخير . قال تعالى : " وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتبِعُونَ إِلا الظن وَإِن الظن لَا يُغْنِي مِنَ الْحَق شَيْئا " ( سورة النجم : 28 ) وعليه فلا يجوز لإنسان أن يسيء الظن بالآخرين لمجرد التهمة أو التحليل لموقف ، فإن هذا عين الكذب " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " [ أخرجه البخاري ومسلم ، الترمذي 2072 ] وقد نهى الرب جلا وعلا عباده المؤمنين من إساءة الظن بإخوانهم قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) [ سورة الحجرات : 12 ] وروى الترمذي عن سفيان : الظن الذي يأثم به ما تكلم به ، فإن لم يتكلم لم يأثم . وذكر ابن الجوزي قول سفيان هذا عن المفسرين ثم قال : وذهب بعضهم إلى أنه يأثم بنفس الظن ولو لم ينطق به . وحكى القرطبي عن أكثر العلماء : أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز ، وأنه لا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبيح وحسن الظن راحة للفؤاد وطمأنينة للنفس وهكذا كان دأب السلف الصالح رضي الله عنهم : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا ، وأنت تجد لها في الخير محملا ً ". وقال ابن سيرين رحمه الله : " إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا ، فإن لم تجد فقل : لعل له عذرا لا أعرفه ". وانظر إلى الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده فقال للشافعي : قوى الله ضعفك ، قال الشافعي : لو قوى ضعفي لقتلني ، قال : والله ما أردت إلا الخير . فقال الإمام : أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير . فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير . وكان سعيد بن جبير يدعو ربه فيقول : " اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك ". وعن الفضيل بن عياض عن سليمان عن خيثمة قال قال عبدالله " والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظن بالله تعالى " [ كتاب حسن الظن بالله - الجزء 1 صفحة 96]. إن إحسان الظن بالناس يحتاج إلى كثير من مجاهدة النفس لحملها على ذلك خاصة وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ولا يكاد يفتر عن التفريق بين المؤمنين والتحريش بينهم وأعظم أسباب قطع الطريق على الشيطان هو إحسان الظن بالمسلمين . عن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم (( حسن الظن من حسن العبادة )) [ رواه الحاكم وأبو داود وأحمد في مسنده ] اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك . رزقنا الله قلوبًا سليمة وأعاننا على إحسان الظن . بإخواننا والحمد لله رب العالمين .

دمتم سالمون وغانمون .

هناك تعليق واحد:

  1. ربنا يبارك فيك وبجد موضوع رائع وبقى قليل الى بيحسنوا الظن يالأخرين ويقدم النية الحسنة حتى يثبت عكسها
    يا ريت لو كل التعاليم الشريفة الناس تتبعها علشان العالم يعرف تعاليمنا الحقيقية

    ردحذف