الأحد، يناير 11، 2009

مصر: حكم قضائي بوقف احتفالات اليهود بمولد «أبي حصيرة»

القاهرة - من محمد جمال عرفة
عمت قرية "دميتوه" قرب مدينة دمنهور شمال مصر الأفراح, وخرج أهالي القرية وهم يهنئون بعضهم بعضاً, في أعقاب إزاحة محكمة مصرية عبئا كبيرا عن صدورهم, تمثل في وقف احتفالات سنوية يقوم بها يهود قادمون من إسرائيل وأوروبا, ويرتكبون فيها الموبقات، والحكم برفض قرار لوزير الثقافة المصري بجعل مكان الاحتفال، وهو مقبرة أبي حصيرة، أثرا إسلاميا, واعتباره كأن لم يكن.وقال أهالي القرية, التي تبعد حوالي 150 كيلومتراً عن القاهرة, إنهم سعداء لإلغاء الاحتفال بمولد أبي حصيرة, الذي وصفوه بأنه أضحى "حائط مبكى آخر" لليهود في قريتهم، بينما قال بعضهم إنهم لن يكونوا في حاجة للاحتجاج هذا العام على ممارسات اليهود المخالفة للآداب في قريتهم, بعدما تضرروا في العامين الماضين من هذه الاحتفالات التي كانت تواكب شهر رمضان الكريم.كما تنفس أهالي القرية الصعداء, بعدما انتهى, بالحكم القضائي, جحيم إجراءات الأمن المصرية المكثفة, التي تجري لحماية الزوار اليهود, الذين يفدون كل عام في نهاية كانون الأول/ديسمبر من الدولة العبرية وأميركا وبعض الدول الأخرى, للاحتفال بمولد هذا الحاخام اليهودي المزعوم أنه رجل البركات.وأشار أهالي القرية إلى أن مجلس مدينة دمنهور سبق أن قرر في كانون الأول/ديسمبر ديسمبر 2000 منع الاحتفالات اليهودية, التي تبدأ في ذكرى مولد ما يسمي الحاخام أبو حصيرة, بسبب معارضة أهالي المدينة لتصرفات اليهود في الحفل, وتناول الخمور والرقص بشكل خليع.وقد سبق لأهالي القرية أن طالبوا أجهزة الحكم المحلي المصرية في كانون الثاني/يناير الماضي 2001 بتغيير اسم القرية إلى "قرية الشهيد محمد الدرَّة"، حتى تُذَكِّر اليهود الذين يزورونها كل عام بجرائمهم في انتفاضة الأقصى, ورفعوا دعاوى قضائية يطالبون فيها بتغيير اسم القرية إلى محمد الدرة.وقد عبر محامو أهل القرية, الذين رفعوا عددا من الدعاوى القضائية على مدار الأعوام الثلاثة الماضية عن سعادتهم بالحكم, الذي قضت به المحكمة الإدارية في الإسكندرية (دائرة البحيرة), بوقف احتفالات اليهود بمولد "أبي حصيرة" في قرية "دميتوه"، وكذا إلغاء المحكمة لقرار وزير الثقافة المصري فاروق حسني, القاضي باعتبار مقبرة أبي حصيرة أثرا من الآثار الإسلامية والمسيحية، والذي كان سيعني - في حالة تنفيذه - السماح لليهود بالاستمرار في احتفالاتهم السنوية بالقرية, مع ما قد يترتب على ذلك من اضطرابات, أشار إليها حكم المحكمة في حيثياته, من جانب أهالي القرية المصريين الغاضبين, إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني, وانتهاك المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.وكان المحامي أحمد محمد عطية قد رفع دعوى قضائية على وزيري الثقافة والخارجية في شهر آب/أغسطس الماضي, مطالبا بوقف الاحتفال السنوي, الذي يقيمه اليهود من مختلف أنحاء العالم عند ضريح "أبي حصيرة", ويستمر خلال شهري كانون الأول/ديسمبر وكانون الثاني/يناير من نهاية كل عام وبداية عام جديد.كما رفع محام آخر في الشهر نفسه دعوى طالب فيها بهدم المقبرة, تنفيذاً للقانون الذي يقضي بأن تتم إزالة أي مقبرة لا تُستخْدَم لمدة 15 عاماً, بيد أن المحكمة لم توافق علي هذا الطلب, معتبرة أن طلب هدم المقبرة, ونقل رفات أبي حصيرة إلى الخارج (إسرائيل) يتعارض مع سماحة الإسلام.
المذابح الإسرائيلية هي السبب
وقد لفتت حيثيات الحكم, الذي أصدرته المحكمة المصرية بمنع الاحتفال بمولد أبي حصيرة, والذي يأتي قبل شهرين فقط من الاحتفال القادم، الأنظار بسبب تضمنها ما يشبه عريضة اتهام ضد الدولة العبرية والمجازر التي تقوم بها ضد الفلسطينيين.فقد أكد طاقم المحكمة برئاسة المستشار مهند كامل عباس, نائب رئيس مجلس الدولة, أن ما يفعله اليهود في احتفالات أبي حصيرة يتعارض مع "وقار الشعائر الدينية وطهارتها"، و"يتعارض مع التقاليد الإسلامية والآداب العامة, الأمر الذي يشكل مساساً بالأمن العام, والسكينة العامة, وينطوي على إيذاء الشعور الإنساني للمسلمين والأقباط في مصر, لا سيما وهم يرون مقدساتهم الإسلامية والمسيحية تنتهك في القدس, دون مراعاة لما احتوته الأديان السماوية من قيم واحترام".وضربت المحكمة عشرات الأمثلة على انتهاك المقدسات في فلسطين, مثل "اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي ساحة المسجد الأقصى, وما سبق من قيام المتطرفين اليهود "جماعة أمناء الهيكل" بوضع حجر الأساس بشكل رمزي لبناء المعبد اليهودي الثالث المزعوم, بالقرب من باب المغاربة, بحكم من المحكمة الإسرائيلية العليا رغم أن القدس أرض محتلة".
وأشار القرار الصادر عن المحكمة إلى "المجزرة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في تشرين الأول/أكتوبر 1990 بإطلاق النار علي المصلين, ومحاولة إحراق الأقصى عام 1969", و"الاعتداء الوحشي, الذي لم يسبق له مثيل من قتل المدنيين والأطفال بقذائف الدبابات والصواريخ وطائرات الاباتشي وأف 16 وأف 15، وهدم المنازل فوق رؤوس أهلها".وخلصت المحكمة بعد سرد جرائم الاحتلال الإسرائيلي للقول إن "الأمر الذي يكون معه إقامة تلك الاحتفالية في تلك الظروف والملابسات, مما يمس الأمن العام والسكينة العامة, ويتعين معه الحكم بوقف إقامة تلك الاحتفالية".
لا تاريخ لليهود في مصر!
كما حرصت المحكمة في الجزئية المتعلقة برفض قرار وزير الثقافة المصري باعتبار أبي حصيرة أثراً إسلامياً مسيحياً, على توضيح أن اليهود لم يكن لهم حضارة في مصر, وشددت على أن إقامتهم القصيرة في مصر ليس لها تأثير يُذكر على ما أنتجته الحضارات المختلفة على أرض مصر، واعتبرت أن قرار الوزير ينطوي على مغالطة تاريخية, ويخالف القانون مخالفة جسيمة تصل به إلى حد العدم.وقال القضاة المصريون إن وزير الثقافة المصري تعمد إصدار قراره باعتبار ضريح أبي حصيرة من الآثار الإسلامية والقبطية, بعد أيام معدودة من إقامة دعوى المطالبة بإلغاء الاحتفال بقصد إضفاء الشرعية على الاحتفالية السنوية, التي تؤذي مشاعر المسلمين والأقباط في مصر.
تاريخ أبي حصيرة مجهول
وتتعدد الروايات في ما يتعلق بحقيقة "أبي حصيرة" أو تاريخه بدقة في مصر. ففي عام 1907 ميلادية، ادَّعى بعض اليهود, الذين كانوا يعيشون في مصر في ذلك الوقت, أنه تُوجَد في منطقة المقابر, التي تضم رفات 88 من اليهود، مقبرة لحاخام يهودي من أصل مغربي يُدعَى "أبو حصيرة"، واسمه الأصلي "أبو يعقوب"، وأنه من أولياء الله, على حد زعمهم, وله "كرامات" مشهودة!!. ومنذ ذلك العام، بدأ يتوافد على القرية في الفترة من أواخر كانون الأول/ديسمبر وحتى أوائل كانون الثاني/يناير سنويا، عدد ضئيل من اليهود للتبرك بهذا الحاخام، الذي ذاع صيته بينهم.ومنذ عام 1978 عقب توقيع اتفاق "كامب ديفيد" بدأ اليهود يطلبون رسميًّا تنظيم رحلات دينية إلى هذه القرية, للاحتفال بمولد "أبي حصيرة"، الذي يستمر قرابة 15 يوماً، وبدأ عددهم يتزايد من بضع عشرات إلى بضع مئات ثم الآلاف، حتى بلغ عددهم قبل عامين قرابة أربعة آلاف، ومع الزيادة العددية توسع أسلوب الاحتفال من مجرد الجلوس عند المقبرة، وذِكْرِ بعض الأدعية والتوسلات, إلى البكاء، لا سيما من العجائز, طالبات الشفاء من مرض ما، إلى ذبح أضحيات غالباً ما تكون خرافاً أو خنازير، وشرب الخمور أو سكبها فوق المقبرة ولعقها بعد ذلك، والرقص على بعض الأنغام اليهودية بشكل هستيري, وهم شبه عرايا، بعد أن يشقوا ملابسهم.
وقد شهدت المقبرة بعض التوسع مع تزايد عدد القادمين، وجرى كسوة "الضريح" بالرخام، والرسوم اليهودية، لا سيما عند مدخل القبر، ثم بدأ ضم بعض الأراضي إليه وبناء سور من حولها، ثم قيام منشآت أشبه بالاستراحات. واتسعت المقبرة من مساحة 350 متراً مربعاً إلى 8400 متر مربع، وبدأت التبرعات اليهودية تنهال لتوسيعها وتحويلها إلى مبكى جديد لليهود طالبي الشفاء أو العلاج من مرض ما, لدرجة أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي قدمت معونة مالية للحكومة المصرية طالبة إنشاء جسر يربط القرية, التي يُوجَد بها الضريح بطريق علوي, يصل إلى مدينة دمنهور القريبة، حتى يتيسر وصول اليهود إليها، وأطلقوا على الجسر أيضاً اسم "أبو حصيرة"، ومع الوقت تحول "أبو حصيرة" إلى مسمار جحا لليهود في مصر.وكانت الاحتفالات السابقة قد شارك فيها قرابة 2000 يهودي أغلبهم من إسرائيل، إضافة إلى دول أجنبية أخرى, يحضرون بالطائرات في المولد السنوي, الذي يقام للاحتفال بأبي حصيرة, بعدما أصرت إسرائيل على عقد الاحتفال في موعده حتى ولو صادف شهر رمضان ورفضت طلب وزارة الخارجية المصرية تأجيل موعد الاجتماع بحجة أن المولد أمرا مقدسا, وأنها قد تكون فرصة للتقارب مع المصريين, إلا أن احتفال العام الماضي شهد حضورا أقل, إذ تردد أن عدد الحضور لم يتجاوز 500 يهودي.المعروف أن الاحتفال يبدأ غالبا يوم 25 كانون الأول/ديسمبر فوق قبر أبي حصيرة, حيث تتم إقامة مزاد على مفتاح مقبرة أبي حصيرة, الذي يؤمن بعض اليهود أن له كرامات دينية, ولديه قدرة على شفائهم من أمراض معينة, ثم تبدأ عمليات شرب الخمور, وشي اللحوم وأكلها, والرقص, ثم البكاء بحرقة أمام القبر, كما يحدث أمام حائط المبكي, وضرب رؤوس البعض في جدار المبكي للتبرك وطلب الحاجات.وقد حرص اليهود على لفت الأنظار إليهم، وتضخيم الاحتفال إلى درجة استقدام طائرة خاصة إلى مطار الإسكندرية, تحمل وفداً كبيراً من الحاخامات اليهود، ومعهم أحيانا وزير الأديان والعمل، وأعضاء من البرلمان الإسرائيلي، وقد سعوا أيضا لشراء خمسة أفدنة مجاورة للمقبرة, بهدف إقامة فندق عليها ليقيم فيه الإسرائيليون في فترة المولد، بيد أن طلبهم رفض.
وقد أذنت وزارة الخارجية المصرية للبرلمان المصري في كانون الأول/ديسمبر الماضي مناقشة الأمر في البرلمان المصري, في أعقاب إثارة النواب هذا الأمر, وقالت الوزارة إن اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية لا تنص على عقد الاحتفال بأبي حصيرة كل عام!. (ق.ب)