السبت، ديسمبر 25، 2010

فضل آية الكرسي


د. مهران ماهر عثمان

قال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، إِلا الْمَوْتُ»
 
الحديث.
 أخرجه النسائي في السنن الكبرى، والطبراني في المعجم الكبير، وابن السني، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (1595) .
 
مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ
آية الكرسي هي قوله تعالى :} الله لا إله إلا هو الحي القيوم ...{ ، وسميت بهذا الاسم لذكر الكرسي فيها .
والكرسي لم يرد فيه من الصحيح إلا حديث واحد «ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، و فضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة " .قال الألباني في "السلسلة الصحيحة (1 / 174):"رواه محمد بن أبي شيبة في " كتاب العرش " ( 114 / 1 )".
 
دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ مَكْتُوبَةٍ
يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله :" الشيء الذي شُرِع قوله دبر الصلاة إن كان ذكراً قيل بعد السلام؛ لأن هذا هو محل الذكر ، وإن كان دعاء مسألة كان قبل السلام؛ لأن هذا محل الدعاء ، وهذا اللفظ –دبر- يصدق على هذا وهذا"([1]) .
 
لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، إِلا الْمَوْتُ
فيدل على أنّ الجنة لا يدخلها المؤمن إلا بعد الموت .
 
من فضائلها :
عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ»؟ قَالَ : قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ : «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ»؟  قَالَ: قُلْتُ: }اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{ . قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ :«وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ» [مسلم] .
وفي راوية :«... وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ لَهَا لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ تُقَدِّسُ الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ» ، [أحمد، وصححها الألباني في الصحيحة برقم (3410)] .

وقال صلى الله عليه وسلم : «اسم الله الأعظم في سور من القرآن ثلاث : في البقرة، و آل عمران، و طه» أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني.
قال أبو عبد الرحمن القاسم بن عبد الرحمن –راوٍ من التابعين-: " فالتمست في البقرة ، فإذا هو في آية الكرسي: }الله لا إله إلا هو الحي القيوم{، و في آل عمران فاتحتها :}الله لا إله إلا هو الحي القيوم{ ، و في طه :}و عنت الوجوه للحي القيوم {  .
قال الألباني: و هذا إسناد حسن.
 
مواضع أخرى لقراءتها :
1/ عند النوم :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهقَالَ وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنْ الطَّعَامِ ... قَالَ دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا. قُلْتُ: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ } اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ{ حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبَنَّكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ. فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ الْبَارِحَةَ»؟ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ. قَالَ : «مَا هِيَ»؟ قُلْتُ: قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ وَقَالَ لِي : لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ -وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الْخَيْرِ - فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم :« أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ»؟ قَالَ :لَا. قَالَ :«ذَاكَ شَيْطَانٌ». [أخرجه البخاري] .
2/ وفي  الصباح والمساء :
لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه  أنه كان له جُرُن ([2]) من تمر، فكان ينقص، فحرسه ذات ليلة، فإذا هو بدابة شبه الغلام المحتلم، فسلم عليه فرد عليه السلام، فقال : ما أنت جني أم إنسي ؟ قال : جني .  قال: فناولني يدك. فناوله يده فإذا يده يد كلب وشعره شعر كلب .  قال: هذا خلق الجن؟ قال: قد علمت الجن أن ما فيهم رجل أشد مني. قال: فما جاء بك؟ قال: بلغنا أنك تحب الصدقة فجئنا نصيب من طعامك.  قال: فما ينجينا منكم ؟ قال هذه الآية التي في سورة البقرة }الله لا إله إلا هو الحي القيوم{ من قالها حين يمسي أجير منها حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسي. فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال :«صدق الخبيث» [رواه النسائي في الكبرى والطبراني وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (662)] .
------------------------------[1] / شرحه على بلوغ المرام .
[2] / ما يجمع فيه التمر .
 نقلا من موقع صيد الفوائد

الأربعاء، سبتمبر 08، 2010

الرائعون كالأحجار الكريمه لانصنعهم بل نبحث عنهم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الى احبابى واخواتى الافاضل والفضليات من اصحاب مدونات مكتوب وجيران وبلوجر
 ها قد انقضى رمضان وولى ولن ياتى الا العام القادم ، وها قد اقبل علينا عيد الفطر المبارك بكل ما فيه من بهجة وفرحة وسعادة بما وفقنا اليه الله تعالى من طاعات فى شهر رمضان المبارك ، وها هى الايام تمضى وتدور دورتها فى اتجاه واحد ، وقد أمضيت معكم حينا من الدهر ، شعرت فيه انى اكتسبت بفضل الله ثم بفضلكم  قيمة جديدة كنت افتقدها ،
ولقد احببت ان ابعث اليكم برسالة تهنئة من القلب واتمنى ان تصل الى القلب .
ومن قلب محب لكم فى الله  أدعو لكم  فأقول أسأل الله أن يبلغكم العيد ويكتب لكم فيه الأجر والثواب ويعتقكم من النار أنتم ومن تحبون)..

وتذكروا ان من روائع المحبه في الله أنه مهما أشغلتك الحياة عن صاحبك فإنك لا تحمل هما...لأنه حتما سيعذرك_



(أسعد الله قلوبا" طاهرة إن وصلناها شكرت وإن قصرنا عذرت)



واقول لكم انه في داخل الأصداف يوجد اللؤلؤ، وفي داخلكم وجدت الأنسان و أجمل القيم . وإن كانت هنالك أشياء جميلة في حياتي ، فمن المؤكد معرفتي بكم هي واحدة من هذه الأشياء. فليحفظ الله الود بيننا ويجعل الجنة دارنا ويبارك لك بالعيد السعيد .



حقا

الرائعون كالأحجار الكريمه لانصنعهم بل نبحث عنهم





                                  ودمتم سالمين فى رعاية الله

الجمعة، أغسطس 20، 2010

الغــضـــــــــــب

الغضب هو من اكبر الانفعالات السلبية التى يتميز بها معظم المخلوقات  والكائنات الحية ، ومظاهره واشكاله ودوافعه واسبابة تختلف باختلاف الكائن الحى ، وهو فى الانسان واضح وجلى ، ووقلما وجدنا انسان لا يغضب ، كما ان الغضب فى الانسان لا يختلف فقط عن باقى الكائنات الحية لمجرد اختلاف العنصر الحيوى ، لكنه ايضا فى الانسان يختلف من شخص لاخر حسب عوامل مؤثرة كثيرة ، منها على سبيل المثال لا الحصر ، طريقة التنشئة والتربية ، البيئة المحيطة ، درجة التعرض للمواقف المتباينة ودرجة التفاعل معها ومدى ثقافة الفرد  وقوة الدوافع المؤدية للغضب ، .
والغضب قد تكون لها اثار جيدة على الصحة العامة على اعتبار انه احد الانفعالات التى تساعد على التنفيث واخراج الشحن العصبى والنفسى  الزائد ، الا انه من المؤكد ان اثار الغضب السلبية اشد واخطر بل انها تكون مدمرة احيانا ولربما تسببت فى اخراج صاحبها من ذمرة المسلمين الى ملة الكفر والعياذ بالله . لذا فان الرسول عليه الصلاة والسلام نصح رجلابعد الغضب عندما ساله الرجل العظة والنصيحة ، فلم يقل له الزم الصلاة او الزم الصيام او الصدقة ، ولكن قال له ( لا تغضب )

اذن فالغضب شىء طبيعى من طبائع البشر ، ولربما كان صحيا ، ولكن عندما يكون وفق معايير معينة لا يتخطاها ، وفقا لما يسمى ( بادارة الغضب ) وهو عاطفة بشرية تختلف شدتها من الاسثارة الخفيفة الى الثورة العارمة (المنهى عنها).
وقد يصدر الشخص استجابة الغضب لاحساسة بالتعدى على كرامته الامر الذى يؤدى الى الرفض والصراع الداخلى والخارجى ، وهذا الصراع بشقيه قد يكون له ثوابت حقيقة او من خيال الشخص نتيجة الوهم (او الفهم الخاطىء المتسرع) ، وقد يكون له جذور فى الماضى .
ويعتمد الغضب بدرجاته المختلفة على مدى ادراك (التهديد) الذى يكون اما نتيجة للصراع او الاحساس بعد العدل او الاهمال او الاذلال او الخيانة

والغاضب يمر بمراحل الغضب خسب شدته ودرجته ، فتبدأ بالضيق والاستياء والعبوس ، الكدر ، الاستثارة ، الاحباط ، السخط النقمة ، الاساءة ، تلك هى مراحل الغضب والتى تؤدى كل مرحلة منه الى نتيجة مختلفى عن تلك التى تؤدى اليها المرحلة الاخرى
والاحباط والنقمة والاساءة والسخط هى من درجات الغضب المنهى عنها والتى لا يجب على مؤمن ان يترك لنفسه العنان حتى يصل الى احدى هذه الدرجات ، فعليه ان يستعيذ بالله من الشيطان ( فالغضب من الشيطان) ويسرع بالوضوء (فانه يطفىء الغضب) ويبتعد بجسده عن مكان الاستثاره ، وبعقله عن دوافع الاستثاره بقراءة القران او الاذكار ، وعليه بالدعاء ، فانما هى لحظة فارقة لا يعلم ماذا سيؤول الامر بعدها .
والتعبير عن الغضب اذا ما تعرضنا له يجب ان يخضع لمعايير معينه ، وحيث ان الشخص يمر بعمليات ادراكية واعية وغير واعية اثناء الغضب  منها (التعبير عن الغضب ) وايضا ( كبح الغضب ، والغضب الهادىء ) فانه من الضرورى ان نتعرف على كيفية ادارة الغضب
والهدف من ادارة الغضب هو التخفيف من حدة الاحاسيس المؤدية اليه ، ثم التخفيف من شدة اثاره بعد ذلك ، والتعبير عن الغضب ليس بالضروره ان يكون مؤذيا لصاحبه ولمن حوله ، على العكس تماما فانه فى معظم الاحيان يكون عبارة عن التصريح بالغضب بقوة وفى تعقل فى آن واحد دون ان ياخذ شكلا عدائيا .
اما الغضب الهادىء فهو تحويل مسارالغضب وهذا يحدث عند التأنى والتفكير بعمق وبسرعة ، فى نقطة ايجابية والهدف من ذلك هو تحويل طاقة الغضب الى سلوك ايجابى
( اتذكر انه عندما كنت فى التاسعة عشر من عمرى ، وكنت فى معسكر المتميزين ثقافيا فى مدينة العريش ، تعرضت لموقف اغضبنى بشدة من احد ابناء محافظة قنا ، فتحول الموقف الى صراع وتشابك بالايدى ، وتصادف ان مدير المعسكر (الدكتور محمد فايق) اعزه الله ، وهو احد القيادات المتميزة من ابناء محافظة الغربية، موجودا الى القرب منا ومعه عدد من مساعديه ، فاسرع احدهم الى التوعد بانزال العقوبات على كلينا ، الا ان الدكتور محمد فايق ، وبسرعة البرق انتزع فتيل الازمة وقام بتحويل هذا الصراع من شىء سلبى الى شىء ايجابى بكلمة واحدة ، حيث قال  وهو يبتسم ( مصارعة جميلة من يربح سامنحة مكافأة ) هنا توقف كل شىء وشعرنا بالخجل وتناسينا الامر وتصافحنا وصرنا صديقين بعد ذلك ) .

تعريف الغضب


عَرَّف الغضبَ جمعٌ من علماء اللغة وغيرهم ، واختلفت العبارات ، واتفقت الثمرة فكلمة ( الغضب ) يدرك معناها الصغير ، والكبير بلا تكلف أو تعب فتوضيح الواضحات - كما يقال - من الفاضحات ، وقد يزيده غموضا وإشكالا قال المناوي –رحمه الله تعالى – " والغضب كيفية نفسانية وهو بديهي التصور "ا.هـ  ومع ذلك لابد من ذكر شيء من ذلك :

قال القرطبي -رحمه الله تعالى- " والغضب في اللغة : الشدة ، ورجل غضوب أي شديد الخلق ، والغضوب الحية الخبيثة ؛ لشدتها , والغضبة : الدرقة من جلد البعير يطوى بعضها على بعض سميت بذلك لشدتها " ا.هـ

وقيل في معناه : تغيُّر يحصل عند فوران دم القلب ليحصل عنه التشفي في الصدر .

وقيل : الغضب إرادة الإضرار بالمغضوب عليه .




الغضب من وجهة نظر علماء النفس :

هو ظاهرة مركبة ، ليس لها قاعدة واحدة بل عوامل متعددة ، منها:
1- مركبات ودوافع تعبيرية

2- متغيرات لحظية وفردية

3- إثارة وتحفيز ذات أبعاد سيكولوجية وعصابية "ليس عصبية"

4- من الناحية العصابية هي متعلقة بحب البقاء في مراحل تطور الإنسان الأولى وهي غير مقبولة بالمجتمعات الحديثة

5- لها نتائج عكسية خصوصا على الدورة الدموية
هذا ويعتقد العلماء أن الأفراد ذوي الشخصية غير المنتظمة يولدون غاضبين ... فغضبهم دائما مفاجيء، داهم، مخيف، ويأتي دون سبب أو إستفزاز خارجي .

ويبدوا أن المصابين بخلل بالشخصية هم في حالة غضب متواصل وإن كان مكبوت في معظم الأحيان فهو يظهر عندما تكون أجهزة الدفاع لدى المصاب في حالة إنحطاط وهبوط أو أن صاحبها عاجز عن التصرف لأسباب خارجية أو داخلية .

وفي حالات أخرى يتميز الغاضب بطفولة صعبة وكبت شديد إذ لم يستطيع في صغره توجيه غضبه للسبب الحقيقي في إحباطه كوالديه مثلا أو لمن أساء معاملته وهو عاجز ضعيف بحيث يطور عبر الزمن إحساسا دائما بالظلم ..

ويعتقد بأن هناك نوعان من الغضب:

1- الغضب المؤقت "المفتعل" أي أن يغضب صاحبة للتأثير في موقف معين ..

2- الغضب على الذات أي أن يرى صاحبه أن الكل ضده وأن العالم مليء بالظالمين القاسين وهو في الحقيقة خائف من كل الناس ومن كل شيء ...

وهناك اشخاص لديهم قابلية الغضب بسهولة ويسر وباقل استثارة ممكنه ، وهناك من يتحكم فى انفعالاته ويكبح جماح غضبة ولكنه يآكل من الداخل من شدة الاستياء وفرط النقمة .

ولايجوز باى حال من الاحوال منح رخصة للغاضب ان ينفس عن غضبة كيفما شاء والا اعطيناه بذلك رخصة لايذاء الاخرين .

ومن اهم واكبر اسباب الغضب على الاطلاق :   العُجب : فالعجب بالرأي والمكانة والنسب والمال سبب للعداوة إن لم يُعقل بالدين وذلك برده ودفعه فالعجب قرين الكِبْر وملازم له , والكِبْر من كبائر الذنوب فقد قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- ( لا يدخل الجنة مَن في قلبه مثقال ذرة من كِبر )  وقال النبي –صلى الله عليه وسلم- ( ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع أمر العوام ) وعن ابن عباس –رضي الله عنهما – مرفوعا ( المهلكات ثلاث إعجاب المرء بنفسه وشح مطاع وهوى متبع ). ولهذا فقد كان السلف يُحذرون من أسباب العُجب ، ولو لم تكن مباشرة فعن سليم بن حنظلة قال : بينا نحن حول أُبي بن كعب نمشي خلفه إذ رآه عمر فعلاه بالدرة ، فقال : أنظر يا أمير المؤمنين ما تصنع ؟ فقال : "إن هذا ذلة للتابع وفتنة للمتبوع" 


وجاء أن يحيى بن زكريا لقي عيسى بن مريم -صلى الله عليهما وسلم- فقال : أخبرني بما يُقرِّب من رضا الله ، وما يُبعد من سخط الله ؟ فقال : " لا تغضب " . قال : الغضب ما يبدأه وما يعيده ؟ قال : " التعزز والحمية والكبرياء والعظمة 



ثانيا / المراء : قال عبد الله بن الحسين : " المراء رائد الغضب فأخزى الله عقلا يأتيك به الغضب  وللمراء آفات كثيرة منها : الغضب لهذا فقد نهى الشارع عنه قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا )

وهناك ثلاثة انواع رئيسية للغضب :
أنواع الغضب :


الأول : الغضب المحمود : وهو ما كان لله –تعالى- عندما تنتهك محارمه ، وهذا النوع ثمرة من ثمرات الإيمان إذ أن الذي لا يغضب في هذا المحل ضعيف الإيمان قال تعالى عن موسى -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- بعد علمه باتخاذ قومه العجل ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (الأعراف :150) .

أما غضب النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فلا يُعرف إلا أن تنتهك محارم الله –تعالى- فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : ما ضرب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - شيئا قط بيده ، ولا امرأة ، ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله ، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله -عز وجل-.

ومن ذلك ما رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال : خرج رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - على أصحابه وهم يختصمون في القدر فكأنما يفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب فقال : ( بهذا أمرتم ؟ أو لهذا خلقتم ؟ تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم ) فقال عبد الله بن عمرو : ما غبطت نفسي بمجلس تخلفت فيه عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ما غبطت نفسي بذلك المجلس وتخلفي عنه ، وما أكثر ما تنتهك محارم الله تعالى في هذا الزمان علنا وسرا ، فكثير من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لا همَّ لها سوى نشر الرذيلة ، ومحاربة الفضيلة ، وإشاعة الفاحشة ، وبث الشبهات ، وتزيين المنكر ، وإنكار المعروف ، والاستهزاء بالدين وشعائره فهذا كله مما يوجب الغضب لله –تعالى- وهو من الغضب المحمود ، وعلامة على قوة الإيمان ، وهو ثمرة لحفظ الأوطان ،وسلامة الأبدان ، وتظهر ثمرة الغضب هنا بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، والرد على الشبهات أما السكوت المطبق مع القدرة على التغيير فسبب للهلاك فعن زينب بنت جحش –رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- استيقظ من نومه وهو يقول : ( لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ) - وحلق بأصبعه وبالتي تليها - قلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال نعم إذا كثر الخبث )

وكذلك من الغضب المحمود : الغضب لما يحدث للمسلمين من سفك للدماء ، وانتهاك للأعراض ، واستباحة للأموال ، وتدمير للبلدان بلا حق .



الثاني : الغضب المذموم :

وهو ما كان في سبيل الباطل والشيطان كالحمية الجاهلية ، والغضب بسبب تطبيق الأحكام الشرعية ، وانتشار حلق تحفيظ القرآن الكريم ، ومعاداة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بسبب محاربتهم للرذيلة ، وكذا الدفاع عن المنكرات كالتبرج والسفور ، وسفر المرأة بلا محرم ، ويظهر ذلك جليا في كتابة بعض كُتَّاب الصحف فتجد أحدهم يغضب بسبب ذلك ، ولا همَّ له سوى مسايرة العصر !! سواء وافق الشرع المطهر أو خالفه فالحق عندهم ما وافق هواهم والباطل ما حدَّ من مبتغاهم قال تعالى ( لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) )أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (النور:52) .



الثالث : الغضب المباح :

وهو الغضب في غير معصية الله –تعالى- ولم يتجاوز حدَّه كأن يجهل عليه أحد , وكظمه هنا خير وأبقى قال تعالى ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران : 134) ومما يُذكر هنا أن جارية لعلي بن الحسين جعلت تسكب عليه الماء , فتهيأ للصلاة , فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه , فرفع علي بن الحسين رأسه إليها ، فقالت الجارية : إن الله -عز وجل - يقول وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) فقال لها : قد كظمت غيظي . قالت (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال لها : قد عفا الله عنك . قالت : (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال : اذهبي فأنت حرة.

وتغضب حتى إذا ما ملكتَ : أطعتَ الرضا وعصيتَ الغضب

وقال نوح بن حبيب : كنت عند ابن المبارك فألحوا عليه . فقال : هاتوا كتبكم حتى أقرأ . فجعلوا يرمون إليه الكتب من قريب ومن بعيد ، وكان رجل من أهل الري يسمع كتاب الاستئذان فرمى بكتابه فأصاب صلعة ابن المبارك حرفُ كتابه فانشق ، وسال الدم , فجعل ابن المبارك يعالج الدم حتى سكن ثم قال : سبحان الله كاد أن يكون قتال ثم بدأ بكتاب الرجل فقرأه .

قال ابن حبان –رحمه الله تعالى- " والخلق مجبولون على الغضب ، والحلم معا ، فمن غضب وحلم في نفس الغضب فإن ذلك ليس بمذموم ما لم يخرجه غضبه إلى المكروه من القول والفعل على أن مفارقته في الأحوال كلها أحمد " 

درجات الناس في قوة الغضب :

الأولى : التفريط : ويكون ذلك بفقد قوة الغضب بالكلية أو بضعفها .

الثانية : الإفراط : ويكون بغلبة هذه الصفة حتى تخرج عن سياسة العقل والدين ولا تبقى للمرء معها بصيرة ونظر ولا فكرة ولا اختيار .

الثالثة : الاعتدال : وهو المحمود وذلك بأن ينتظر إشارة العقل والدين.

علاج الغضب :


( ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء ) ومن الأدوية لعلاج داء الغضب :

أولا : الاستعاذة بالله من الشيطان

قال تعالى ( وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت:36) عن سليمان بن صرد -رضي الله عنه – قال : كنت جالسا مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه , وانتفخت أوداجه , فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ( إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد ) فقالوا له : إن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال تعوذ بالله من الشيطان ) فقال : وهل بي جنون . . قال ابن القيم -رحمه الله تعالى – " وأما الغضب فهو غول العقل يغتاله كما يغتال الذئب الشاة وأعظم ما يفترسه الشيطان عند غضبه وشهوته "



ثانيا : تغيير الحال

عن أبى ذر -رضي الله عنه -أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ).



ثالثا : ترك المخاصمة والسكوت

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي –رحمه الله تعالى " ومن الأمور النافعة أن تعلم أن أذية الناس لك وخصوصا في الأقوال السيئة لا تضرك بل تضرهم إلا إن أشغلت نفسك في الاهتمام بها , وسوغت لها أن تملك مشاعرك , فعند ذلك تضرك كما ضرتهم , فإن أنت لم تصنع لها بالا , لم تضرك شيئا " .

يخاطبني السفيه بكل قبح : فأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة وأزيد حلما : كعود زاده الإحراق طيبا
عن ابن عباس -رضي الله عنهما -عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال ( علموا وبشروا ولا تعسروا وإذا غضب أحدكم فليسكت ). قال ابن رجب -رحمه الله تعالى- " وهذا أيضا دواء عظيم للغضب ؛ لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيرا من السباب وغيره مما يعظم ضرره , فإذا سكت زال هذا الشر كله عنده , وما أحسن قول مورق العجلي -رحمه الله- ما امتلأتُ غضبا قط ولا تكلمتُ في غضب قط بما أندم عليه إذا رضيت "

قال سالم ابن ميمون الخواص :

إذا نطق السفيه فلا تجبه : فخير من إجابته السكوتُ

سكتُّ عن السفيه فظن أني : عييتُ عن الجواب وما عييتُ

شرار الناس لو كانوا جميعا : قذى في جوف عيني ما قذيتُ

فلستُ مجاوبا أبدا سفيها : خزيتُ لمن يجافيه خزيتُ


وقيل : ولقد أمر على السفيه يسبني : فمررت ثـمَّتَ قلتُ لا يعنيني

وقال الصفدي :

واستشعر الحلم في كل الأمور ولا : تسرع ببادرة يوما إلى رجل

وإن بليت بشخص لا خلاق له : فكن كأنك لم تسمع ولم يقل


رابعا : الوضوء

عن عطية السعدي -رضي الله عنه - قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( إن الغضب من الشيطان ؛ وإن الشيطان خلق من النار ، وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ) .

وفي حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- مرفوعا ( ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه ، وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق وضوء ) .



خامسا : استحضار الأجر العظيم لكظم الغيظ

فمن استحضر الثواب الكبير الذي أعده الله تعالى لمن كتم غيظه وغضبه كان سببا في ترك الغضب والانتقام للذات , وبتتبع بعض الأدلة من الكتاب والسنة نجد جملة من الفضائل لمن ترك الغضب منها :

1/ الظفر بمحبة الله تعالى والفوز بما عنده قال تعالى ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:134) ومرتبة الإحسان هي أعلا مراتب الدين .

وقال تعالى ( فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (الشورى:37) .

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( ثلاثة مَن كنَّ فيه آواه الله في كنفه , وستر عليه برحمته وأدخله في محبته ) قيل : ما هن يا رسول الله ؟ قال : ( مَن إذا أُعطي شكر , وإذا قَدر غفر , وإذا غَضب فتر ).

2/ ترك الغضب سبب لدخول الجنة

عن أبي الدرداء -رضي الله عنه – قال : قلت : يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة . قال : ( لا تغضب ولك الجنة ).

3/ المباهاة به على رؤوس الخلائق

عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال ( مَن كظم غيظا وهو يقدر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء ) .

4/ النجاة من غضب الله تعالى

عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال : قلت يا رسول الله ما يمنعني من غضب الله ؟ قال ( لا تغضب )فالجزاء من جنس العمل ، ومن ترك شيئا لله عوضه الله تعالى خيرا منه.

وقال أبو مسعود البدري –رضي الله عنه- : كنت أضرب غلاما لي بالسوط فسمعت صوتا من خلفي ( اعلم أبا مسعود ) فلم أفهم الصوت من الغضب قال : فلما دنا مني إذا هو رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فإذا هو يقول : ( اعلم أبا مسعود اعلم أبا مسعود ) قال : فألقيت السوط من يدي . فقال : ( اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام ) قال : فقلت لا أضرب مملوكا بعده أبدا .

وكان أبو الدرداء –رضي الله عنه - يقول " أقرب ما يكون العبد من غضب الله إذا غضب واحذر أن تظلم من لا ناصر له إلا الله "

5/ زيادة الإيمان

قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ( وما من جرعة أحب إلي من جرعة غيظ يكظمها عبد ، ما كظمها عبد لله إلا ملأ الله جوفه إيمانا )

6/ كظم الغيظ من أفضل الأعمال

عن ابن عمر -رضي الله عنهما-قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- (ما من جرعة أعظم أجرا ثم الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله ).

قال ابن تيمية –رحمه الله تعالى-: " ما تجرع عبد جرعة أعظم من جرعة حلم عند الغضب ، وجرعة صبر عند المصيبة ، وذلك لأن أصل ذلك هو الصبر على المؤلم ، وهذا هو الشجاع الشديد الذي يصبر على المؤلم ، والمؤلم إن كان مما يمكن دفعه أثار الغضب ، وإن كان مما لا يمكن دفعه أثار الحزن ، ولهذا يحمر الوجه عند الغضب لثوران الدم عند استشعار القدرة ، ويصفر عند الحزن لغور الدم عند استشعار العجز "



سادسا : الإكثار من ذكر الله تعالى

قال تعالى ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28) فمن اطمئن قلبه بذكر الله تعالى كان أبعد ما يكون عن الغضب قال عكرمة -رحمه الله تعالى -في قوله تعالى (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ )(الكهف:24) " إذا غضبت ".



سابعا : العمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أوصني . قال ( لا تغضب ) فردد مرارا قال (لا تغضب ) . وهنيئا لمن امتثل هذه الوصية وعمل بها ولا شك أنها وصية جامعة مانعة لجميع المسلمين ، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي –رحمه الله تعالى-" هذا الرجل ظن أنها وصية بأمر جزئي , وهو يريد أن يوصيه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بكلام كلي , ولهذا ردد . فلما أعاد عليه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- , عرف أن هذا كلام جامع , وهو كذلك ؟ فإن قوله : ( لا تغضب ) يتضمن أمرين عظيمين : أحدهما : الأمر بفعل الأسباب , والتمرن على حسن الخلق , والحلم والصبر , وتوطين النفس على ما يصيب الإنسان من الخلق , من الأذى القولي والفعلي . فإذا وفق لها العبد , وورد عليه وارد الغضب , احتمله بحسن خلقه , وتلقاه بحلمه وصبره , ومعرفته بحسن عواقبه , فإن الأمر بالشيء أمر به , وبما لا يتم إلا به , والنهي عن الشيء أمر بضده , وأمر بفعل الأسباب التي تعين العبد على اجتناب المنهي عنه , وهذا منه . الثاني : الأمر - بعد الغضب - أن لا ينفذ غضبه : فإن الغضب غالبا لا يتمكن الإنسان من دفعه ورده , ولكنه يتمكن من عدم تنفيذه . فعليه إذا غضب أن يمنع نفسه من الأقوال والأفعال المحرمة التي يقتضيها الغضب . فمتى منع نفسه من فعل آثار الغضب الضارة , فكأنه في الحقيقة لم يغضب . وبهذا يكون العبد كامل القوة العقلية , والقوة القلبية "

قال ميمون بن مهران : جاء رجل إلى سلمان -رضي الله عنه -فقال : يا أبا عبد الله أوصني . قال : لا تغضب . قال : أمرتني أن لا أغضب وإنه ليغشاني ما لا أملك . قال : فإن غضبت فاملك لسانك ويدك .



ثامنا : النظر في نتائج الغضب

فكثير الغضب تجده مصابا بأمراض كثيرة كالسكري والضغط والقولون العصبي وغيرها مما يعرفها أهل الاختصاص , كما أنه بسببه تصدر من الغاضب تصرفات قولية أو فعلية يندم عليها بعد ذهاب الغضب روي عن علي -رضي الله عنه- أنه قال " لذة العفو يلحقها حمد العاقبة , ولذة التشفي يلحقها ذم الندم ". وقيل : من أطاع الغضب أضاع الأرب .

وقال الكريزي :

ولم أر في الأعداء حين اختبرتهم : عدوا لعقل المرء أعدى من الغضب 

وقال ابن رجب -رحمه الله تعالى- " والغضب هو غليان دم القلب المؤذي عنه خشية وقوعه أو طلبا للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعد وقوعه ، وينشأ من ذلك كثير من الأفعال المحرمة كالقتل والضرب وأنواع الظلم والعدوان ، وكثير من الأقوال المحرمة كالقذف والسب والفحش , وربما ارتقى إلى درجة الكفر كما جرى لجبلة بن الأيهم " وكثيرا ما نسمع أن والدا قتل ولده ، أو ولدا قتل والده فضلا عن غيرهم بسبب الغضب ، وكم ضاع من خير وأجر وفضل بسبب الغضب ، وكم حلت من مصيبة ودمار وهلاك بسبب الغضب ، وبسبب ساعة غضب قطعت الأرحام ، ووقع الطلاق ، وتهاجر الجيران ، وتعادى الإخوان ، وقامت بين الدول الحروب ... عن وائل -رضي الله عنه- قال : إني لقاعد مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة فقال : يا رسول الله هذا قتل أخي . فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ( أقتلته ) ؟ فقال : إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة . قال : نعم قتلته . قال : ( كيف قتلته ) ؟ قال : كنت أنا وهو نحتطب من شجرة فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته 

قال مروان بن الحكم في وصيته لابنه عبد العزيز : " وإن كان بك غضب على أحد من رعيتك فلا تؤاخذه به عند سورة الغضب ، واحبس عنه عقوبتك حتى يسكن غضبك ثم يكون منك ما يكون وأنت ساكن الغضب منطفئ الجمرة فإن أول من جعل السجن كان حليما ذا أناة "  .

وكتب عمر بن عبد العزيز –رحمه الله تعالى-إلى عامل من عماله " أن لا تعاقب عند غضبك ، وإذا غضبت على رجل فاحبسه فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه " 

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى – " إن الغضب مرض من الأمراض ، وداء من الأدواء فهو في أمراض القلوب نظير الحمى والوسواس والصرع في أمراض الأبدان فالغضبان المغلوب في غضبه كالمريض والمحموم والمصروع المغلوب في مرضه والمبرسم المغلوب في برسامه "  وقال -رحمه الله تعالى – " إذا اقتدحت نار الانتقام من نار الغضب ابتدأت بإحراق القادح ، أَوْثِقْ غضبك بسلسلة الحلم فإنه كلب إن أفلت أتلف " 

وقال المعتمر بن سليمان : كان رجل ممن كان قبلكم يغضب , ويشتد غضبه فكتب ثلاث صحائف , فأعطى كل صحيفة رجلا , وقال للأول : إذا اشتد غضبي فقم إلي بهذه الصحيفة وناولنيها . وقال للثاني : إذا سكن بعض غضبي فناولنيها . وقال للثالث : إذا ذهب غضبي فناولنيها . وكان في الأولى : اقصر فما أنت وهذا الغضب إنك لست بإله إنما أنت بشر يوشك أن يأكل بعضك بعضا . وفي الثانية : ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء . وفي الثالثة : احمل عباد الله على كتاب الله فإنه لا يصلحهم إلا ذاك 



تاسعا : أن تعلم أن القوة في كظم الغيظ ورده

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال ( ليس الشديد بالصُّرَعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )  قال ابن القيم –رحمه الله تعالى – " أي مالك نفسه أولى أن يسمى شديدا من الذي يصرع الرجال "

وقال ابن تيمية –رحمه الله تعالى – " ولهذا كان القوي الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب حتى يفعل ما يصلح دون ما لا يصلح فأما المغلوب حين غضبه فليس هو بشجاع ولا شديد "

وقال الزرقاني -رحمه الله تعالى- " لما كان الغضبان بحالة شديدة من الغيظ , وقد ثارت عليه شدة من الغضب , فقهرها بحلمه , وصرعها بثباته ، وعدم عمله بمقتضى الغضب كان كالصرعة الذي يصرع الرجال ولا يصرعونه "

ليست الأحلام في حال الرضا : إنما الأحلام في حال الغضب

وعن أنس -رضي الله عنه - أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مر بقوم يصطرعون فقال ( ما هذا ) ؟ فقالوا : يا رسول الله فلان ما يصارع أحدا إلا صرعه . فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم – ( أفلا أدلكم على مَن هو أشد منه رجل ظلمه رجل فكظم غيظه فغلبه وغلب شيطانه وغلب شيطان صاحبه ).

ألا إن حلم المرء أكـرم نسبة : تسامى بها عند الفخار حليم

فياربِّ هب لي منك حلما فإنني : أرى الحلم لم يندم عليه كريم

قال المسترشد بالله في وصيته لقاضيه علي بن الحسين الزينبي " أن يجعل التواضع والوقار شيمته , والحلم دأبه وخليقته , فيكظم غيظه عند احتدام أواره واضطرام ناره مجتنبا عزة الغضب الصائرة إلى ذلة الاعتذار "



عاشرا : قبول النصيحة والعمل بها

فعلى من شاهد غاضبا أن ينصحه ، ويذكره فضل الحلم ، وكتم الغيظ ، وعلى المنصوح قبولُ ذلك قال ابن عباس -رضي الله عنهما- استأذن الحر بن قيس لعيينة فأذن له عمر فلما دخل عليه قال : هي يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزْل( أي العطاء الكثير) ولا تحكم بيننا بالعدل فغضب عمر حتى همَّ به . فقال له الحر : يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه -صلى الله عليه وآله وسلم- (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف:199) وإن هذا من الجاهلين . والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه , وكان وقافا عند كتاب الله.. قال ابن القيم رحمه الله تعالى :" وهكذا الغضبان فإنه إذا اشتد به الغضب يألم بحمله فيقول ما يقول ، ويفعل ما يفعل ؛ ليدفع عن نفسه حرارة الغضب فيستريح بذلك , وكذلك يلطم وجهه , ويصيح صياحا قويا , ويشق ثيابه , ويلقي ما في يده ؛ دفعا لألم الغضب , وإلقاء لحمه منه , وكذلك يدعو على نفسه وأحب الناس إليه فهو يتكلم بصيغة الطلب والاستدعاء والدعاء , وهو غير طالب لذلك في الحقيقة فكذلك يتكلم بصيغة الإنشاء وهو غير قاصد لمعناها , ولهذا يأمر الملوك وغيرهم عند الغضب بأمور يعلم خواصهم أنهم تكلموا بها دفعا لحرارة الغضب وأنهم لا يريدون مقتضاها فلا يمتثله خواصهم بل يؤخرونه فيحمدونهم على ذلك إذا سكن غضبهم , وكذلك الرجل وقت شدة الغضب يقوم ليبطش بولده أو صديقه فيحول غيره بينه وبين ذلك فيحمدهم بعد ذلك كما يحمد السكران والمحموم ونحوهما من يحول بينه وبين ما يهم بفعله في تلك الحالة "

والحلم آفته الجهل المضرُّ به : والعقل آفته الإعجاب والغضب



الحادي عشر : أخذ الدروس من الغضب السابق

فلو استحضر كل واحد منا قبل أن يُنفذ غضبه الحاضر ثمرةَ غضبٍ سابقٍ ندم عليه بعد إنفاذه لما أقدم على ما تمليه عليه نفسه الأمارة بالسوء مرة ثانية , فمنع الغضب أسهل من إصلاح ما يفسده قال ابن حبان –رحمه الله تعالى – " سرعة الغضب من شيم الحمقى كما أن مجانبته من زي العقلاء , والغضب بذر الندم فالمرء على تركه قبل أن يغضب أقدر على إصلاح ما أفسد به بعد الغضب "
لا تغضبن على قوم تحبهم : فليس ينجيك من أحبابك الغضب



الثاني عشر : اجتناب وإزالة أسباب الغضب : وقد ذكرت جملة منها .

قال الشيخ السعدي –رحمه الله تعالى – " ومن الأسباب الموجبة للسرور وزوال الهم والغم : السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم , وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور , وذلك بنسيان ما مضى من المكاره التي لا يمكنه ردُّها , ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال , وأن ذلك حمق وجنون "



الثالث عشر : معرفة أن المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة فتركه إغلاق لباب من أبواب العصيان :

قال ابن القيم رحمه الله تعالى " ولما كانت المعاصي كلها تتولد من الغضب والشهوة , وكان نهاية قوة الغضب القتل , ونهاية قوة الشهوة الزنى جمع الله –تعالى- بين القتل والزنى , وجعلهما قرينين في سورة الأنعام , وسورة الإسراء , وسورة الفرقان , وسورة الممتحنة , والمقصود أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شر قوتي الغضب والشهوة من الصلاة والاستعاذة " .



الرابع عشر : قال ابن حبان -رحمه الله تعالى- " لو لم يكن في الغضب خصلة تذم إلا إجماع الحكماء قاطبة على أن الغضبان لا رأي له لكان الواجب عليه الاحتيال لمفارقته بكل سبب " لذا فقد قال النبي –صلى الله عليه وآله وسلم – ( لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان ) قال ابن القيم –رحمه الله تعالى- " إن الفقهاء اختلفوا في صحة حكم الحاكم في الغضب على ثلاثة أقوال وهي ثلاثة أوجه في مذهب احمد : أحدها : لا يصح و لا ينفذ ؛ لأن النهي يقتضي الفساد . والثاني : ينفذ . والثالث : إن عرض له الغضب بعد فهم الحكم نفذ حكمه , وإن عرض له قبل ذلك لم ينفذ " وقال معللا المنع " إنما كان ذلك لأن الغضب يشوش عليه قلبه وذهنه , ويمنعه من كمال الفهم , ويحول بينه وبين استيفاء النظر , ويعمي عليه طريق العلم والقصد "  لهذا كان من وصية أمير المؤمنين عمر لأبي موسى الأشعري –رضي الله عنهما- في القضاء " وإياك والغضب والقلق والضجر " .



صور من هدي السلف عند الغضب

سب رجل ابن عباس -رضي الله عنهما – فلما فرغ قال : يا عكرمة هل للرجل حاجة فنقضيها ؟ فنكس الرجل رأسه واستحى .

وقال أبو ذر –رضي الله عنه- لغلامه : لِمَ أرسلت الشاة على علف الفرس ؟ قال : أردت أن أغيظك . قال : لأجمعن مع الغيظ أجرا أنت حر لوجه الله تعالى  .

وأسمع رجل أبا الدرداء – رضي الله عنه- كلاما , فقال : يا هذا لا تغرقن في سبنا ودع للصلح موضعا فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه .

قال الأحنف بن قيس –رحمه الله تعالى – لابنه : يا بني إذا أردت أن تواخي رجلا فأغضبه , فإن أنصفك وإلا فاحذره .

إذا كنت مختصا لنفسك صاحبا : فمن قبل أن تلقاه بالود أغضبه

فإن كان في حال القطيعة منصفا : وإلا فقد جربته فتجنبـــه

وقال محمد بن حماد الكاتب :

فأعجب من ذا وذا أنني : أراك بعين الرضا في الغضب

وأختم بما رواه عطاء بن السائب عن أبيه قال : صلى بنا عمار بن ياسر -رضي الله عنه- صلاة فأوجز فيها فقال له بعض القوم : لقد خففت أو أوجزت الصلاة ، فقال : أما على ذلك فقد دعوت فيها بدعوات سمعتهن من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ، فلما قام تبعه رجل من القوم هو أنه كنى عن نفسه فسأله عن الدعاء ثم جاء فأخبر به القوم ( اللهم بعلمك الغيب , وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي , وتوفني إذا علمت الوفاة خيرا لي اللهم , وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة , وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب , وأسألك القصد في الفقر والغنى , وأسألك نعيما لا ينفد , وأسألك قرة عين لا تنقطع , وأسألك الرضاء بعد القضاء , وأسألك برد العيش بعد الموت , وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك ضراء مضرة ولا فتنة مضلة , اللهم زينا بزينة الإيمان , واجعلنا هداة مهتدين )  والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وزاد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين



                                                           ودمتم سالمين فى رعاية الله

السبت، يوليو 24، 2010

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اسالكم الدعاء بظاهر الغيب لوالدتى بالشفاء السريع العاجل ، فقد تعرضت لأزمة صحية عنيفة قبل ثلاثة ايام اضطررنا على اثرها لنقلها الى المستشفى وهى فى حالة سيئة ، حيث انها تدخل فى غيبوبات  متكررة ، الحمد لله على كل حال .

السبت، يوليو 03، 2010

تهدئة مع تركيا وتصعيد ضد سوريا

قبل كل شىء   .. عاشت تركيا
.......................................

تبذل الادارة الامريكية جهوداً مضنية هذه الايام لاخراج اسرائيل من حال العزلة المتفاقمة التي تعيش في ظلها حالياً بسبب عدوانها على قطاع غزة ومجزرتها التي ارتكبتها على ظهر سفينة مرمرةالتركية في المياه الدولية.


هذه الجهود تنصب في ثلاثة محاور دبلوماسية رئيسية:

المحور الأول: ترطيب الأجواء بين تل ابيب وأنقرة، واصلاح العلاقة بين الجانبين، بدءا من ازلة التوتر الحالي في العلاقات او تقليصها في حدودها الدنيا. ويتضح هذا التوجه في اللقاء السري بين وزير الخارجية التركي داوود اوغلو مع وزير الصناعة والتجارة الاسرائيلي بنيامين بن اليعازر في بروكسل قبل يومين.

المحور الثاني: ترتيب لقاء سريع بين السيد سلام فياض رئيس الوزراء الاسرائيلي وايهود باراك وزير الدفاع الاسرائيلي لمناقشة قضايا تتعلق بالأحوال المعيشية لمواطني الضفة الغربية حسب البيان الرسمي الفلسطيني.

المحور الثالث: ايفاد السناتور جورج ميتشيل مبعوث السلام الامريكي الى رام الله وتل ابيب، للايحاء بأن المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين تسير في الاتجاه الصحيح، وان عملية السلام لم تمت.

المحور الرابع: اللقاء الحار بين الرئيس الامريكي باراك اوباما والعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز في البيت الأبيض، وطلب الأول من حليفه الثاني بذل جهود أكبر في عملية السلام حسب ما جرى اعلانه، ولكن ما لم يعلن هو طبيعة المناقشات والحوارات التي تتعلق بالملف الايراني وكيفية التعاطي مع الطموحات النووية الايرانية سلماً (عبر الحصار) او حرباً.

' ' '

اللقاء التركي الاسرائيلي تم نتيجة ضغوط امريكية، ومن الرئيس اوباما نفسه، ولا نستغرب ان يكون هذا الضغط قد توازى مع تهديدات او اغراءات او الاثنتين معاً. فلم يكن من قبيل الصدفة ان تتصاعد هجمات حزب العمال الكردستاني ضد اهداف تركية، مدنية وعسكرية بعد ايام معدودة من توتر العلاقات التركية الاسرائيلية، والشيء نفسه يقال ايضاً عن اثارة ملف مجازر الارمن في الكونغرس وفي أجهزة الاعلام الامريكية، بتحريض مباشر من اللوبي اليهودي.

اما اللقاء الآخر المنتظر بين السيد فياض وايهود باراك فهو تدشين للمفاوضات المباشرة، وتعزيز للتنسيق الامني بين الجانبين، والايعاز للرأي العالم العالمي الغاضب على مجازر سفن اسطول الحرية بان الطرف الفلسطيني صاحب القضية المركزية في حال ود وانسجام مع الحكومة الاسرائيلية، ولا يعتبرها حكومة ارهابية 'مارقة' مثلما تعتقدون، فاذا كان أصحاب الشأن راضين، يعانقون الاسرائيليين فما شأنكم انتم!

اللافت ان لقاء فياض باراك هذا يتزامن مع انعقاد اجتماع الدول المانحة في باريس، والسيد فياض هو القناة الوحيدة المعتمدة للأموال الغربية والعربية الى السلطة، ولا بد ان من يعطي المال والمساعدات هو الذي أمر بهذا اللقاء ووجد السمع والطاعة والا لا رواتب ستدفع، ولا امتيازات اخرى ستتواصل.

ولا نستغرب ان نقرأ في الأيام القليلة المقبلة انباء عن قرب لقاء بين بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي والرئيس محمود عباس في القدس المحتلة او في رام الله، فالترتيب لهذا اللقاء يبدأ بلقاء فياض باراك، وتعمد الرئيس عباس تكرار نغمة تقول باستعداده للانتقال من مرحلة المفاوضات غير المباشرة الى المباشرة فوراً في حال تحقيق تقدم، ودعوته لنتنياهو لزيارة رام الله، ودعوة الثاني له بزيارة القدس.

المريب في الأمر ان هذه الجهود الامريكية 'الترطيبية' بين تركيا واسرائيل من ناحية واسرائيل والسلطة الفلسطينية من ناحية اخرى تتزامن مع أخرى تصعيدية مع سورية وايران الأمر الذي يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول النوايا الامريكية، واحتمال وجود 'خطة ما' يجري اعدادها في الغرف المغلقة.

وزارة الخارجية الامريكية تثير هذه الايام ضجة كبرى حول معلومات غير مؤكدة عن تزويد ايران لسورية بنظام رادار يردع صواريخ اسرائيلية ويكشفها قبل وصولها لضرب اهداف ايرانية.

وتبلغ عملية التحريض هذه ذروتها ضد سورية بعد ان هدأت ضجة أخرى استمرت اسابيع تمحورت حول تزويد سورية 'حزب الله' اللبناني بصواريخ 'سكود' بعيدة المدى'.

' ' '

الادارة الامريكية تزود اسرائيل ببطاريات صواريخ باتريوت، وقنابل 'ذكية' زنتها الف طن لقصف المواقع الايرانية المحصنة، وطائرات هي الأحدث في العالم، وترى في ذلك امرا عاديا، اما ان تزود ايران سورية بنظام رادار يرصد الصواريخ التي ستطلقها اسرائيل لتدمير البلدين فهذه 'ام الكبائر' وجريمة كبرى.

بمعنى آخر مطلوب من سورية وايران واي دولة عربية اخرى ان لا تفعل اي شيء لعرقلة الصواريخ الاسرائيلية حتى لو كان ذلك 'رصدها' مجرد الرصد فقط، والعلم بمرورها، ناهيك عن التصدي لها وعلى مواطني البلدين ان يقفوا فوق سطوح منازلهم والتصفيق والتهليل لكل صاروخ اسرائيلي ينطلق لتدمير البلدين او احدهما.

نعرف جيداً ان السلطة الفلسطينية التي تعيش وتتغذى من الحبل السري الامريكي لا تستطيع ان ترفض طلباً امريكياً باللقاء مع الاسرائيليين وتبييض وجههم الاجرامي عربياً وعالمياً، ولكننا لا نفهم هذا اللقاء التركي الاسرائيلي السري وغير المبرر خاصة ان اسرائيل لم تلب شرطاً واحداً من الشروط التركية الاربعة، وهي الاعتذار عن مجزرة السفينة مرمرة، والقبول بلجنة تحقيق دولية، واعادة السفن المحتجزة في ميناء اسدود، ودفع تعويضات مالية لاسر الشهداء.

' ' '

لا نطالب حكومة رجب طيب اردوغان بالتطرف او الانتحار سياسيا ودبلوماسيا، فنحن نفهم ان لها استراتيجيات محددة تحكم علاقاتها وآلية عملها في التعاطي مع ملف العلاقات الاقليمية والدولية، ولكن مثل هذه اللقاءات، وبهذه السرعة، تهز صورة هذه الحكومة في الداخل التركي اولا والعالم الاسلامي ثانيا اللذين وجدا في موقفها من اسرائيل وعربدتها وقفة رجولية ردت الاعتبار لمليار ونصف مليار مسلم عانى كثيرا من العربدة الاسرائيلية والاذعان العربي لها.

حكومة نتنياهو تخدع تركيا والسلطة والعالم باسره في الوقت نفسه عندما توفد شخصيتين من حزب العــــمل الاول مجرم حرب ملطــــخة يداه بــــدماء شــــهداء غزة اي ايهود باراك والثاني بنيامين بن اليعازر كان وزيرا للدفاع وقائدا للاركان، يدعي الاعتدال مثل رئيسه شمعون بيريس الذي ارتكب مجزرة قانا في جنوب لبنان.

استقبال وزيرين من حزب العمل من قبل تركيا ورئيس الوزراء الفلسطيني هو التسليم رسميا بالخدعة الاسرائيلية التي تقول ان هؤلاء يختلفون عن حزب الليكود ونتنياهو ووزير خارجيته افيغدور ليبرمان. انه استقبال يكشف عن سذاجة و'براغماتية' في غير محلها على الاطلاق.

لا فائدة من الحديث مع السلطة او نصحها، ولكن نعتقد ان الحديث مع الحكومة التركية وتحذيرها شيء ضروري، لان السيد اردوغان شخصية مستقلة تتمتع بصفات الزعامة التاريخية، واظـــــهر شجاعة غير عادية في الوقوف الى جانب الحق، ولذلك نتمنى ان يواصل مواقفه المتحدية لجرائم الحرب الاسرائيلية حتى النهاية، او على الاقل ان لا يتراجع عن مطالبه الاربعة، والانتصار لدماء الشهداء الاتراك.

خاصة بعد ان اكد نتنياهو بالامس انه لن يعتذر ولن يدفع تعويضات لاسر ضحايا المجزرة في تحد استفزازي صلف ومتغطرس.

الأحد، يونيو 20، 2010

استراتيجية السلام والامن فى المفهوم الصهيونى

تصدرت نظرية الأمن الكيان الصهيونى الغاصب التي تبلورت ابتداءً من خمسينيات القرن الماضي فما بعد، الرغبة المعلنة في إحلال السلام، إلا أن قادة إسرائيل، اعتبروا «الأمن» هو الهدف الحقيقي والأهم.


فالسلام في مفهوم احفاد قتلة الانبياء ، يعني فرض الاستسلام على العرب، وذلك لأنه يفرض من موقع «القوة».» إذا ظهرت (إسرائيل) تلك الدولة المزعومة  أمام العرب قوية إلى درجة يصعب قهرها بالقوة، فإن الطريق تكون عندئذ قد فتحت للمفاوضات المباشرة وللسلام»،وقد أكد (بن غوريون) المفهوم ذاته حين قال «بأنه الطريقة الوحيدة لإقناع العرب لصنع السلام هي رؤية إسرائيل قوية «

وبناء على ذلك، يتضح أن العناصر الأساسية للأمن الإسرائيلي تعطي مؤشراً على مدى التخطيط الدقيق للإستراتيجية الأمنية الإسرائيلية والتوافق التام فيما بينها ليجعلها دائماً في تصاعد مستمر. فبعد أن استطاعت إسرائيل أن تصل إلى هذه المرحلة من النجاح؛ فإنها ترى أنه لا يجب عليها هذه المرة أن تكتفي بتسوية لا تقل عن معاهدة سلام مصحوبة بتسويات أمن متبادلة وفعالة وهي تتطلع إلى عقد معاهدات سلام وإقامة علاقات متبادلة وتعاون مع الدول العربية، عن طريق المفاوضات المباشرة - سرية أو علنية - مع كل دولة عربية أو مع الدول العربية مجتمعة، لتستطيع استيعاب ما حققته من نصر والاستعداد لمرحلة أخرى جديدة؛ لذلك فهي تتمسك حالياً ببعض العناصر الأساسية لتحقيق أمنها حتى في حالة الوصول إلى حل سلمي أو سياسي للمشكلة، وقد جاءت هذه العناصر على لسان «إيغال آلون» نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، والتي تنحصر في ثلاثة عناصر أساسية هي:

أ- احتياجات أمن إسرائيل.

ب- الميل التاريخي للشعب اليهودي لأرض إسرائيل.

ج- الإمكانيات السياسية.

ويحتوي كل عنصر من هذه العناصر على عدة نقاط هامة ومعقدة، وهي في حد ذاتها تلقي ضوءاً على أهداف الإستراتيجية الإسرائيلية في المرحلة القادمة.

ويتضح من الأدبيات العسكرية والإستراتيجية الإسرائيلية، أن مسيرة السلام لم تسهم حتى الآن على مستوى المؤسسة العسكرية في تكوين توجه نحو البدء بالانتقال من حالة الحرب إلى حالة السلام، بل يمكن القول، أن الفكر العسكري الإسرائيلي يتجه نحو التخطيط لتصورات واحتمالات تندرج جميعاً في خانة حالة الحرب والنزاعات المسلحة، وليس هناك ملمح أو دليل في الفكر العسكري الإسرائيلي يوحي بأن حالة السلم التي كانت وفق الرؤية الإسرائيلية قد تركت أي أثر أو تغيير يذكر في فكر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية. وثمة مرجع استراتيجي يلقي الضوء على الفكر الاستراتيجي العسكري خاصة فيما يتعلق بمستقبل هذه القوة والاتجاهات العامة له، حيث يؤكد أن عملية السلام لن تؤدي إلى تغيير الاتجاهات الموجودة حالياً في المنطقة، وإذا -ما تمت- ستؤدي إلى تطور في اتجاهين متوازيين: أولهما: زوال الدوافع العربية لشن هجوم عسكري على إسرائيل، وثانيهما: أن الانسحاب الإسرائيلي من أراضٍ محتلة سيولد إغراءً لاستغلال ضعف إسرائيل النسبي في المعطيات الإستراتيجية الجديدة التي ستنشأ في حال شن هجوم مفاجئ ضد إسرائيل؛ وعليه، فإن تسوية النزاع لا يعني أن التناقضات الأساسية قد أزيلت وخاصة أن عملية التسوية لا تنطلق من تحول تاريخي لدى الطرف العربي الذي حدث لديه تحول ناجم عن روح برجماتية على أساس معايير الجدوى لذا فإن القوة العسكرية القادرة هي الأساس الذي يضمن ردع العرب عن الصراع العسكري.

فثمة خبراء في الأمن لدى الكيان الصهيونى وجدوا في عملية السلام عائقاً أمام الاستمرار في تطوير المؤسسة العسكرية بالزخم المطلوب، كما اعتبروا الانسحابات الناجمة عنها ضمن قاعدة الأرض مقابل السلام، خطراً على أمن الكيان الصهيونى كونها تجردها من العمق الجغرافي المطلوب على الرغم من تطور نوعية الأسلحة الحديثة في الشرق الأوسط، التي باتت قادرة على تخطي الحواجز الجغرافية، مثل الصواريخ البالستية، لذا، فإن الكيان الصهيونى لا يزال يضفي أهمية كبيرة على العمق الجغرافي الذي يراه قادته أساسياً لاستيعاب أي هجوم عربي مباغت، وتوفير الوقت اللازم لتعبئة فرق الاحتياط الصهيونية الارهابية وخصوصاً على جبهتي الجولان وغور الأردن ، طبعا بعد ان اطمئنوا ان مبارك مستأنس ، وان حدودنا معهم مؤمنة وقد التزم مبارك بتحمل عبء هذا التأمين .

يعني هذا، أن السلام لا يشكل ضمانة لعدم قيام حرب بأي صورة وعلى أي شكل، حيث أن السلام يمكنه أن يفرض صعوبات على شن الحرب، لكنه لن يكون عائقاً يحول دون نشوبها.

في هذا السياق، واصل الكيان الصهيونى الغاصب  تصريحاته بشأن استعدادها للحرب وذلك على الرغم من النجاحات التي جنتها من وراء عملية السلام، وخصوصاً على المسارين الفلسطيني والأردني. فقد جاء على لسان رئيس حكومة هذا الكيان ( المثير لائشمئزاز) السابق، يتسحاق رابين، أن « على إسرائيل أن تكون مستعدة لخوض حرب في المستقبل». ويبدو أن هذا كان يهدف إلى دفع الأطراف العربية المنخرطة في عملية السلام إلى احتواء العناصر المتطرفة،خاصة الإسلامية منها. في حين أن الرئيس المصري حسني مبارك اعتبر هذه التصريحات « خطيرة جداً ولا تتناسب مع جهود السلام في المنطقة» .

بناء عليه؛ فقد احتلت مسألة الأمن في كل المفاوضات العربية الإسرائيلية التي تمت بدءاً من اتفاقات رودس عام 1949 وحتى آخر جلسة أو لقاء إسرائيلي سوري رسمي أو غير رسمي؛ موقعاً مركزياً في الأولويات الإسرائيلية، وظل هاجس الأمن حاضراً بقوة في سير المحادثات والمفاوضات العربية الإسرائيلية،فقد احتلت مسألة الأمن حيزاً كبيراً في مفاوضات مدريد 1991 واتفاق أوسلو 1993،وفيما بعد اتفاق وادي عربة مع الأردن عام 1994 وساهمت بقوة في تعطيل تقدم المفاوضات في أكثر من محطة. والتدقيق في الشق الأمني من اتفاق اوسلو1 وأسلو 2 يؤكد نجاح الجانب الإسرائيلي في ابتزاز الجانب الفلسطيني وفرض شروطاً أمنية قاسية مست بالسيادة الفلسطينية على الأرض والصلاحيات التي منحت لها، طيلة فترة المرحلة الانتقالية. وبينت المفاوضات والاتفاقات أن اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية لا يعني الإقرار بالحقوق الفلسطينية كما نصت عليها قرارات الشرعية الدولية.

ويتضح مما سبق؛ أن إستراتيجية العلاقة التي تربط الكيان الصهيونى  بجيرانه  من الدول العربية ترتبط بمفهوم الأمن، وبمفهوم مصادر التهديد الرئيسية والثانوية التي تتعرض لها، ومما لاشك فيه أن اتفاقيات الحكم الذاتي بين الكيان الصهيونى  ومنظمة التحرير الفلسطينية وما تبعها من اتفاقيات ترسيم حدود بين الأردن وإسرائيل، وقبل ذلك اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وذلك الكيان الارهابى ؛ ترتبط ارتباطاً عضوياً بمهددات الأمن اليهودية ، بل إن إدراك ومضمون تلك المهددات، أصبح إلى حد كبير، متغيراً تابعاً لترتيبات الأمن والالتزامات السياسية التي نصت عليها تلك الوثائق.

لكن ، ومع ذلك فان احتمالات ان يقوم هذا الكيان الارهابى بشن حرب استباقية على ايا من الدول العربية لا تزال قائمة بل انها من اقوى الاحتمالات والهواجس التى تشغل بال الكثير من اجهزة الاستخبارات ليس فقط فى منطقة الشرق الاوسط بل ايضا فى العديد من الدول التى تربطها مصالح باطراف معنية فى تلك المنطقة الملتهبة .

كما علينا ان نعى جيدا ان اليهود لم يعرفوا يوما معنى للسلام وان مفهومة لديهم يختلف تماما مع مفهومه لدى الاخرين ، فالسلان لديهم هو ضمان السيطرة والاحتواء للاخرين . وان اليهود لم يكونوا يوما مصدرا لاى نوع من انواع السلام ، بل انهم لايعرفون العيش الا فى ظروف الاضطرابات والارتباكات الامنية .

السبت، مايو 29، 2010

ظاهرة ضعف الايمان ... الجزء الثانى . (علاج ضعف الإيمان )

روى الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فأسالوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم) رواه الحاكم في المستدرك 1/4 وهو في السلسلة الصحيحة 1585 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/52 رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن . يعني بذلك أن الإيمان يبلى في القلب كما يبلى الثوب إذا اهترأ وأصبح قديماً، وتعتري قلب المؤمن في بعض الأحيان سحابة من سحب المعصية فيظلم وهذه الصورة صورها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح: (ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينا القمر مضيء إذ علته سحابة فاظلم، إذ تجلت عنه فأضاء) رواه أبو نعيم في الحلية 2/196 وهو في السلسلة الصحيحة 2268 . فالقمر تأتي عليه أحياناً سحابة تغطي ضوءه، وبعد برهة من الزمن تزول وتنقشع فيرجع ضوء القمر مرة أخرى ليضيء في السماء، وكذلك قلب المؤمن تعتريه أحياناً سحب مظلمة من المعصية، فتحجب نوره، فيبقى الإنسان في ظلمة ووحشة، فإذا سعى لزيادة إيمانه واستعان بالله عز وجل انقشعت تلك السحب، وعاد نور قلبه يضيء كما كان .

ومن المرتكزات المهمة في فهم قضية ضعف الإيمان وتصور علاجها هو معرفة أن الإيمان يزيد وينقص وهذا من صميم اعتقاد أهل السنة والجماعة، فإنهم يقولون أن الإيمان نطق باللسان واعتقاد بالجنان (أي القلب) وعمل بالأركان (أي الجوارح) يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وقد دلت على هذا الأدلة من الكتاب والسنة فمنها قوله تعالى: (ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم) وقوله: (أيكم زادته هذه إيماناً) وقوله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) البخاري فتح 1/51 . وأثر الطاعة والمعصية في الإيمان زيادة ونقصاناً أمر معلوم مشاهد ومجرب فلو أن شخصاً خرج يمشي في السوق ينظر إلى المتبرجات ويسمع صخب أهل السوق ولغوهم ثم خرج فذهب إلى المقبرة فدخلها فتفكر ورق قلبه فإنه يجد فرقاً بيناً بين الحالتين فإذا القلب يتغير بسرعة.

وعن علاقة المفهوم بموضوعنا يقول بعض السلف: " من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه، وما ينقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد إيمانه ؟ أو ينقص ؟ وإن من فقه الرجل أن يعلم نزغات الشيطان أنى تأتيه؟ " شرح نونية ابن القيم لابن عيسى 2/140 .

ومما ينبغي معرفته أن نقص الإيمان إذا أدى إلى ترك واجب أو فعل محرم فهذا فتور خطير مذموم يجب عليه التوبة إلى الله والشروع في علاج نفسه أما إذا لم يؤد الفتور إلى ترك واجب أو فعل محرم وإنما كان تراجعاً في عمل مستحبات مثلاً فعلى صاحبه أن يسوس نفسه ويسدد ويقارب حتى يعود إلى نشاطه وقوته في العبادة وهذا مما يستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: (لكل عمل شرة - يعني نشاط وقوة - ولكل شرة فترة - يعني ضعف وفتور - فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك) رواه أحمد 2/210 وهو في صحيح الترغيب رقم 55 .

وقبل الشروع في الكلام عن العلاج يحسن ذكر ملاحظة وهي: أن كثيراً من الذين يحسون بقسوة قلوبهم يبحثون عن علاجات خارجية يريدون الاعتماد فيها على الآخرين مع أن بمقدورهم - لو أرادوا - علاج أنفسهم بأنفسهم وهذا هو الأصل لأن الإيمان علاقة بين العبد وربه وفيما يلي ذكر عدد من الوسائل الشرعية التي يمكن للمرء المسلم أن يعالج بها ضعف إيمانه ويزيل قسوة قلبه بعد الاعتماد على الله عز وجل وتوطين النفس على المجاهدة: -

1- تدبر القرآن العظيم الذي أنزله الله عز وجل تبياناً لكل شيء ونوراً يهدي به سبحانه من شاء من عباده، ولا شك أن فيه علاجاً عظيماً ودواء فعالاً قال الله عز وجل: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) أما طريقة العلاج فهي التفكر والتدبر .
(وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتدبر كتاب الله ويردده وهو قائم بالليل، حتى إنه في إحدى الليالي قام يردد آية واحدة من كتاب الله، وهو يصلي لم يجاوزها حتى أصبح وهي قوله تعالى: { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } سورة المائدة /118) رواه أحمد 4/149 وفي صفة الصلاة للألباني ص: 102 .

وكان عليه الصلاة والسلام يتدبر القرآن وقد بلغ في ذلك مبلغاً عظيماً، روى ابن حبان في صحيحه بإسناد جيد عن عطارة قال: دخلت أنا وعبيد الله بن عمير على عائشة رضي الله عنها، فقال عبيد الله بن عمير: (حدثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت وقالت: قام ليلة من الليالي - تعني يصلي - فقال: يا عائشة، ذريني أتعبد لربي، قالت: قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل حجره ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك تقدم من ذنبك وما تأخر قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: { إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض … } آل عمران /190) السلسلة الصحيحة 1/106 . وهذا يدل على وجوب تدبر هذه الآيات .
والقرآن فيه توحيد ووعد ووعيد وأحكام وأخبار وقصص وآداب وأخلاق وآثارها في النفس متنوعة وكذلك من السور ما يرهب النفس أكثر من سور أخرى، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (شيبتني هود وأخواتها قبل المشيب) السلسلة الصحيحة 2/679 . وفي رواية (هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت) رواه الترمذي 3297 وهو في السلسلة الصحيحة برقم 955 . لقد شيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما احتوته من حقائق الإيمان والتكاليف العظيمة التي ملأت بثقلها قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فظهرت آثارها على شعره وجسده، (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك).
وقد كان صحابته صلى الله عليه وسلم يقرأون ويتدبرون ويتأثرون وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلاً أسيفا رقيق القلب إذا صلّى بالناس وقرأ كلام الله لا يتمالك نفسه من البكاء ومرض عمر من أثر تلاوة قول الله تعالى: (إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع) الأثر بأسانيده في تفسير ابن كثير 7/406 . وسمع نشيجه من وراء الصفوف لما قرأ قول الله عن يعقوب عليه السلام: (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) مناقب عمر لابن الجوزي 167 . وقال عثمان رضي الله عنه: لو طهرت قلوبنا ما شبعت من كلام الله، وقتل شهيداً مظلوماً ودمه على مصحفه وأخبار الصحابة في هذا كثيرة، وعن أيوب قال سمعت سعيداً - ابن جبير - يردد هذه الآية في الصلاة بضعاً عشرين مرة (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) سير أعلام النبلاء 4/324 . وهي أخر آية نزلت من القرآن وتمامها (ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) . وقال إبراهيم بن بشار: الآية التي مات فيها علي بن الفضيل: (ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد) في هذا الموضع مات وكنت فيمن صلّى عليه رحمه الله . سير أعلام النبلاء 4/446 . وحتى عند سجدات التلاوة كانت لهم مواقف فمنها قصة ذلك الرجل رحمه الله الذي قرأ قول الله عز وجل: (ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً) الإسراء /109 . فسجد سجدة التلاوة ثم قال معاتباً نفسه: هذا السجود فأين البكاء ؟ .

ومن أعظم التدبر أمثال القرآن لأن الله سبحانه وتعالى لما ضرب لنا الأمثال في القرآن ندبنا إلى التفكر والتذكر فقال: (ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) وقال: (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) .

تفكر أحد السلف مرة في مثل من أمثال القرآن فلم يتبين له معناه فجعل يبكي، فسئل ما يبكيك ؟ فقال: إن الله عز وجل يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } العنكبوت /43 . وأنا لم أعقل المثل، فلست بعالم، فأبكي على ضياع العلم مني .

وقد ضرب الله لنا في القرآن أمثلة كثيرة منها: مثل الذي استوقد ناراً، ومثل الذي ينعق بما لا يسمع، ومثل الحبة التي أنبتت سبع سنابل، ومثل الكلب الذي يلهث، والحمار يحمل أسفاراً، والذباب، والعنكبوت، ومثل الأعمى والأصم، والبصير والسميع، ومثل الرماد الذي اشتدت به الريح، والشجرة الطيبة، والشجرة الخبيثة، والماء النازل من السماء ومثل المشكاة التي فيها مصباح، والعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء والرجل الذي فيه شركاء متشاكسون، وغيرها، والمقصود الرجوع إلى آيات الأمثال والاعتناء بها عناية خاصة .

ويلخص ابن القيم رحمه الله ما على المسلم أن يفعله لعلاج قسوة قلبه بالقرآن فيقول: " ملاك ذلك أمران: أحدهما: أن تنقل قلبك من وطن الدنيا فتسكنه في وطن الآخرة، ثم تقبل به كله على معاني القرآن واستجلائها، وتدبر وفهم ما يراد منه، وما نزل لأجله، وأخذ نصيبك من كل آياته، وتنزلها على داء قلبك، فإذا نزلت هذه الآية على داء القلب برئ القلب بإذن الله " .
2- استشعار عظمة الله عز وجل، ومعرفة أسمائه وصفاته، والتدبر فيها، وعقل معانيها، واستقرار هذا الشعور في القلب وسريانه إلى الجوارح لتنطق عن طريق العمل بما وعاه القلب فهو ملكها وسيدها وهي بمثابة جنوده وأتباعه فإذا صلح صلحت وإذا فسد فسدت .
والنصوص من الكتاب والسنة في عظمة الله كثيرة إذا تأملها المسلم ارتجف قلبه وتواضعت نفسه للعلي العظيم وخضعت أركانه للسميع العليم وازداد خشوعاً لرب الأولين والآخرين فمن ذلك ما جاء من أسمائه الكثيرة وصفاته سبحانه فهو العظيم المهيمن الجبار المتكبر القوي القهار الكبير المتعال، هو الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون، وهو القاهر فوق عباده ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، عزيز ذو انتقام، قيوم لا ينام، وسع كل شيء علماً، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وقد وصف سعة علمه بقوله: (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) الأنعام /59 . ومن عظمته ما أخبر عن نفسه بقوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} الزمر/67 . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض) رواه البخاري 6947 . ويتضعضع الفؤاد ويرجف القلب عند التأمل في قصة موسى عليه السلام لما قال: (رب أرني أنظر إليك) فقال الله: {قَالَ لَن تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} الأعراف/143 . ولما فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية قرأها وقال بيده: (هكذا - ووضع الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر - ثم قال عليه الصلاة والسلام: (فساخ الجبل) الحديث رواه الترمذي برقم 3074 وأحمد 3/125، 209 وساق ابن كثير طرق الحديث في تفسيره 3/466، قال ابن القيم: إسناده صحيح على شرط مسلم، وخرجه الألباني وصححه في تخريج السنة لابن أبي عاصم حديث 480 . والله سبحانه وتعالى: (حجابه النور، لو كشفه لحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) رواه مسلم برقم 197 . ومن عظمة الله ما حدث به الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير) رواه البخاري 7043 . والنصوص في هذا كثيرة والمقصود أن استشعار عظمة الرب بالتأمل في هذه النصوص وغيرها من أنفع الأشياء في علاج ضعف الإيمان ويصف ابن القيم رحمه الله عظمة الله بكلام عذب جميل فيقول: (يدبر أمر الممالك ويأمر وينهى ويخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويقلب الليل والنهار، ويداول الأيام بين الناس، ويقلب الدول فيذهب بدولة ويأتي بأخرى، وأمره وسلطانه نافذ في السماوات وأقطارها وفي الأرض وما عليها وما تحتها وفي البحار والجو، قد أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً .. ووسع سمعه الأصوات فلا تختلف عليه ولا تشتبه عليه، بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها على تفنن حاجاتها، فلا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين ذوي الحاجات، وأحاط بصره بجميع المرئيات فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، فالغيب عنده شهادة والسر عنده علانية .. (يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن) يغفر ذنباً، ويفرج هماً، ويكشف كرباً، ويجبر كسيراً، ويغني فقيراً، ويهدي ضالاً، ويرشد حيراناً، ويغيث لهفاناً، ويشبع جائعاً، ويكسو عارياً، ويشفي مريضاً، ويعافي مبتلى، ويقبل تائباً، ويجزي محسناً، وينصر مظلوماً، ويقصم جباراً، ويستر عورة، ويؤمن روعة، ويرفع أقواماً، ويضع آخرين ... لو أن أهل سماواته وأهل أرضه، وأول خلقه وأخرهم، وإنسهم وجنهم، كانوا على أتقى قلب رجل منهم، ما زاد ذلك في ملكه شيئاً ولو أن أول خلقه وأخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أفجر قلب رجل منهم ما نقص ذلك من ملكه شيئاً، ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه، وأول خلقه وأخرهم، وإنسهم وجنهم، وحيهم وميتهم، ورطبهم ويابسهم، قاموا على صعيد واحد فسألوه فأعطى كلا منهم ما سأله، ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة .. هو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس دونه شيء، تبارك وتعالى أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأولى من شكر، وارأف من ملك، وأجود من سئل … هو الملك الذي لا شريك له، والفرد فلا ند له، والصمد فلا ولد له، والعلي فلا شبيه له، كل شيء هالك إلا وجهه، وكل شيء زائل إلا ملكه .. لن يطاع إلا بأذنه، ولن يعصى إلا بعلمه، يطاع فيشكر، ويعصى فيغفر، كل نقمة منه عدل، وكل نعمة منه فضل، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، أخذ بالنواصي، وسجل الآثار، وكتب الآجال، فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، عطاؤه كلام وعذابه كلام (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) الوابل الصيب ص: 125 بتصرف .

3- طلب العلم الشرعي: وهو العلم الذي يؤدي تحصيله إلى خشية الله وزيادة الإيمان به عز وجل كما قال الله تعالى: (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) فلا يستوي في الإيمان الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فكيف يستوي من يعلم تفاصيل الشريعة ومعنى الشهادتين ومقتضياتهما وما بعد الموت من فتنة القبر وأهوال المحشر ومواقف القيامة ونعيم الجنة وعذاب النار وحكمة الشريعة في أحكام الحلال والحرام وتفصيل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من أنواع العلم كيف يستوي هذا في الإيمان ومن هو جاهل بالدين وأحكامه وما جاءت به الشريعة من أمور الغيب، حظه من الدين التقليد وبضاعته من العلم مزجاة، (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) .
4- لزوم حلق الذكر وهو يؤدي إلى زيادة الإيمان لعدة أسباب منها ما يحصل فيها من ذكر الله، وغشيان الرحمة، ونزول السكينة، وحف الملائكة للذاكرين، وذكر الله لهم في الملأ الأعلى، ومباهاته بهم الملائكة، ومغفرته لذنوبهم، كما جاء في الأحاديث الصحيحة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده) صحيح مسلم رقم 2700 . وعن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم على ذكر فتفرقوا عنه إلا قيل لهم: قوموا مغفوراً لكم) صحيح الجامع 5507 . قال ابن حجر رحمه الله: ويطلق ذكر الله ويراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، ومدارسة العلم . فتح الباري 11/209 . ومما يدل على أن مجالس الذكر تزيد الإيمان ما أخرجه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن حنظلة الأسيدي قال: لقيني أبو بكر فقال كيف أنت يا حنظلة قال: قلت نافق حنظلة، قال: سبحان الله ما تقول قال: قلت نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات - يعني المعاش من مال أو حرفة أو صنعة - فنسينا كثيراً، قال أبو بكر فو الله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: نافق حنظلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما ذاك) قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كانا رأي عين فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيراً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة) ثلاث مرات صحيح مسلم رقم 2750 .
وكان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على الجلوس للذكر ويسمونه إيماناً، قال معاذ رضي الله عنه لرجل: (اجلس بنا نؤمن ساعة) إسناده صحيح: أربع مسائل في الإيمان، تحقيق الألباني ص: 72 .

5- ومن الأسباب التي تقوي الإيمان الاستكثار من الأعمال الصالحة وملء الوقت بها، وهذا من أعظم أسباب العلاج وهو أمر عظيم وأثره في تقوية الإيمان ظاهر كبير، وقد ضرب الصديق في ذلك مثلاً عظيماً لما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم، أصحابه (من أصبح منكم اليوم صائماً ؟ قال أبو بكر أنا، قال فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر أنا، قال، فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً، قال أبو بكر أنا، قال فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة) رواه مسلم كتاب فضائل الصحابة باب 1 حديث 12 .
فهذه القصة، تدل على أن الصديق رضي الله عنه كان حريصاً على اغتنام الفرص، وتنويع العبادات ولما وقع السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم مفاجئاً دل ذلك على أن أيام أبي بكر رضي الله عنه كانت حافلة بالطاعات، وقد بلغ السلف رحمهم الله في ازديادهم من الأعمال الصالحة وملء الوقت بها مبلغاً عظيماً، ومثال ذلك عبارة كانت تقال عن جماعة من السلف منهم حماد بن سلمة قال فيه الإمام عبد الرحمن بن مهدي: " لو قيل لحماد بن سلمة: أنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً " سير أعلام النبلاء 7/447.

وينبغي أن يراعي المسلم في مسألة الأعمال الصالحة أموراً منها:

المسارعة إليها لقوله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض) وقال تعالى: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض) ومدلول هذه الآيات كان محركاً للمسارعة عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عن أنس بن مالك في قصة غزوة بدر لما دنا المشركون قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض) قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض قال: نعم قال: بخ بخ - كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يحملك على قولك بخ بخ) قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها قال: فإنك من أهلها، فاخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى أكل تمراتي هذه لحياة طويلة قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل . صحيح مسلم 1901 . ومن قبل أسرع موسى للقاء الله وقال: (وعجلت إليك ربي لترضى) وامتدح الله زكريا وأهله فقال: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التؤدة في كل شيء - وفي رواية خير - إلا في عمل الآخرة) رواه أبو داود في سننه 5/157 وهو في صحيح الجامع 3009 .
الاستمرار عليها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم، عن ربه في الحديث القدسي: (ما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه) صحيح البخاري 6137 . وكلمة (ما يزال) تفيد الاستمرارية، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تابعوا الحج والعمرة) رواه الترمذي رقم 810 وهو في السلسلة الصحيحة 1200 . والمتابعة تعني كذلك الاستمرار وهذا المبدأ مهم في تقوية الإيمان وعدم إهمال النفس حتى لا تركن وتأسن، والقليل الدائم خير من الكثير المنقطع . والمداومة على الأعمال الصالحة تقوي الإيمان وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله ؟ قال: (أدومها وإن قل) رواه البخاري فتح11/194. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا عمل عملاً أثبته . رواه مسلم كتاب صلاة المسافرين، باب 18 حديث 141 .

الاجتهاد فيها: إن علاج قسوة القلب لا يصلح أن يكون علاجاً مؤقتاً يتحسن فيه الإيمان فترة من الوقت ثم يعود إلى الضعف بل ينبغي أن يكون نهوضاً متواصلاً بالإيمان وهذا لن يكون إلا بالاجتهاد في العبادة . وقد ذكر الله في كتابه من اجتهاد أوليائه في عبادته أحولاً عدة فمنها: (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون، تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون) . وقال الله تعالى عنهم: (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) . والاطلاع على حال السلف في تحقيق صفات العابدين شيء يبعث على الإعجاب ويقود إلى الاقتداء فمن ذلك أنه كان لهم سُبُع من القرآن يختمونه كل يوم وكانوا يقومون الليل في الغزو والقتال ويذكرون الله ويتهجدون، حتى في السجن، يصفون أقدامهم، تسيل دموعهم على خدودهم، يتفكرون في خلق السموات والأرض، يخادع أحدهم زوجته كما تخادع المرأة صبيها، فإذا علم أنها نامت انسل من لحافها وفراشها لصلاة القيام، يقسمون الليل على أنفسهم وأهليهم ونهارهم في الصيام والتعلم والتعليم واتباع الجنائز وعيادة المرضى وقضاء حوائج الناس تمر على بعضهم السنون لا تفوتهم تكبيرة الإحرام مع الإمام ينتظرون الصلاة بعد الصلاة يتفقد أحدهم عيال أخيه بعد موته سنوات ينفق عليهم، ومن هذا حاله فإيمانه في ازدياد .
عدم إملال النفس: ليس المقصود من المداومة على العبادات أو الاجتهاد فيها إيقاع النفس بالسآمة وتعريضها للملل وإنما المقصود عدم الانقطاع عن العبادات ما يطيق ويسدد ويقارب وينشط إذا رأى نفسه مقبلة ويقصد عند الفتور، ويدل على هذه التصورات مجموعة من الأحاديث منه قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا ..) صحيح البخاري 39 . وفي رواية: (والقصد القصد تبلغوا) صحيح البخاري 6099، وقال البخاري رحمه الله باب ما يكره من التشديد في العبادة، عن أنس رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال: (ما هذا الحبل) قالوا هذا حبل لزينب فإذا فترت تعلقت قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد) صحيح البخاري 1099 . ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص يقوم الليل كله ويصوم النهار متتابعاً نهاه عن ذلك وبين السبب بقوله: (فإنك إذا فعلت هجمت عينك - يعني غارت أو ضعفت لكثرة السهر - ونفهت نفسك - يعني كلت) . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله عز وجل لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله عز وجل أدومه وإن قل) رواه البخاري، فتح 3/38 .
استدراك ما فات منها: فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن حزبه من الليل، أو شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل) رواه النسائي وغيره، والمجتبي: 2/68، صحيح الجامع 1228 . وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة داوم عليها وكان إذا فاته القيام من الليل غلبته عيناه بنوم أو وجع صلى ثنتي عشرة ركعة من النهار) رواه أحمد 6/95 . ولما رأته أم سلمة رضي الله عنها يصلي ركعتين بعد العصر وسألته أجابها عليه الصلاة والسلام بقوله: (يا ابنة أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان) رواه البخاري فتح 3/105 . (وكان إذا لم يصل أربعاً قبل الظهر صلاهن بعده) رواه الترمذي رقم 427 وصحيح سنن الترمذي رقم 350 . (وكان إذا فاته الأربع قبل الظهر صلاها بعد الظهر) صحيح الجامع 4759 . فهذا الأحاديث تدل على قضاء السنن الرواتب، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في صومه صلى الله عليه وسلم شعبان أكثر من غيره ثلاث معان أولها: أنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فربما شغل عن الصيام أشهراً فجمع ذلك في شعبان ليدركه قبل صيام الفرض " أي رمضان " تهذيب سنن أبي داود 3/318، وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فلما فاته الاعتكاف مرة لعارض السفر اعتكف في العام المقبل عشرين يوماً . فتح الباري 4/285 .
رجاء القبول مع الخوف من عدم القبول، وبعد الاجتهاد في الطاعات، ينبغي الخوف من ردها على صاحبها، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال: (لا يا ابنة الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات) رواه الترمذي 3175 وهو في السلسلة الصحيحة 1/162 . وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: "لأن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها، إن الله يقول: (إنما يتقبل الله من المتقين) تفسير ابن كثير 3/67 . ومن صفات المؤمنين احتقار النفس أمام الواجب من حق الله تعالى: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن رجلاً يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرماً في مرضاة الله عز وجل لحقره يوم القيامة) رواه الإمام أحمد، المسند 4/185 وهو في صحيح الجامع 5249 . فمن عرف الله وعرف النفس يتبين له أن ما معه من البضاعة لا يكفي ولو جاء بعمل الثقلين، إنما يقبله سبحانه وتعالى بكرمه وجوده وتفضله ويثيب عليه بكرمه وجوده وتفضله .

6- تنويع العبادات: من رحمة الله وحكمته أن نوع علينا العبادات فمنها ما يكون بالبدن كالصلاة ومنها ما يكون بالمال كالزكاة ومنها ما يكون بهما معاً كالحج ومنها ما هو باللسان كالذكر والدعاء وحتى النوع الواحد ينقسم إلى فرائض وسنن مستحبة والفرائض تتنوع وكذلك السنن مثل الصلاة فيها رواتب ثنتي عشرة ركعة في اليوم ومنها ما هو أقل منزلة كالأربع قبل العصر وصلاة الضحى ومنها ما هو أعلى كصلاة الليل وهو كيفيات متعددة منها مثنى مثنى أو أربع ثم أربع ثم يوتر ومنها خمس أو سبع أو تسع بتشهد واحد، وهكذا من يتتبع العبادات يجد تنويعاً عظيماً في الأعداد والأوقات والهيئات والصفات والأحكام ولعل من الحكمة في ذلك أن لا تمل النفس ويستمر التجدد، ثم إن النفس ليست متماثلة في انجذابها وإمكاناتها وقد تستلذ بعض النفوس بعبادات أكثر من غيرها، وسبحان الذي جعل أبواب الجنة على أنواع العبادات كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أنفق زوجين في سبيل الله نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة) رواه البخاري رقم 1798 . والمقصود المكثرون من أصحاب النوافل في كل عبادة أما الفرائض فلا بد من تأديتها للجميع، وقال صلى الله عليه وسلم: (الوالد أوسط أبواب الجنة) رواه الترمذي رقم 1900 وهو في صحيح الجامع 7145 . أي بر الوالدين، يمكن الاستفادة من هذا التنوع في علاج ضعف الإيمان والاستكثار من العبادات التي تميل إليها النفس مع المحافظة على الفرائض والواجبات التي أمر الله بها، وهذا ويمكن للمرء المسلم إذا استعرض نصوص العبادات أن يجد أنواعاً فريدة لها آثار ومعان لطيفة في النفس قد لا توجد في غيرها وهذان مثالان:
روى أبو ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة يحبهم الله، وثلاثة يشنؤهم الله - أي يبغضهم - أما الثلاثة الذين يحبهم الله الرجل يلقى العدو في الفئة فينصب لهم نحره حتى يقتل أو يفتح لأصحابه، والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الأرض فينزلون فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم والرجل يكون له الجار يؤذيه جواره فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن) مسند أحمد 5/151 وهو في صحيح الجامع 3074 .
أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه فقال له صلى الله عليه وسلم: (أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ أرحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك) الحديث رواه الطبراني وله شواهد، انظر السلسلة الصحيحة 2/533 . وهذا شاهد مباشر لموضوع علاج ضعف الإيمان .
7- ومن علاجات ضعف الإيمان: الخوف من سوء الخاتمة، لأنه يدفع المسلم إلى الطاعة ويجدد الإيمان في القلب، أما سوء الخاتمة فأسبابها كثيرة منها: ضعف الإيمان والانهماك في المعاصي وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لذلك صوراً مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ - أي يطعن - بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه - أي يشربه في تمهل ويتجرعه- في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) صحيح مسلم رقم 109 . وقد حدثت في عهده صلى الله عليه وسلم وقائع من هذا فمنها قصة الرجل الذي كان مع عسكر المسلمين يقاتل الكفار قتالاً لم يقاتله أحد مثله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما إنه من أهل النار) فتتبعه رجل من المسلمين فأصاب الرجل جرح شديد فاستعجل الموت فوضع سيفه بين ثديه واتكأ عليه فقتل نفسه . القصة في صحيح البخاري، فتح 7/471 . وأحوال الناس في سوء الخاتمة كثيرة سطر أهل العلم عدداً منها، فمن ذلك ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب " الداء والدواء " أنه قيل لبعضهم عند موته قل لا إله إلا الله فقال: لا أستطيع أن أقولها، وقيل لآخر قل لا إله إلا الله فجعل يهذي بالغناء، وقيل لتاجر - ممن ألهته تجارته عن ذكر الله - لما حضرته الوفاة قل لا إله إلا الله فجعل يقول هذه قطعة جيدة هذه على قدرك هذه مشتراها رخيص حتى مات . طريق الهجرتين ص: 308، ويروى أن بعض جنود الملك الناصر نزل به الموت فجعل ابنه يقول له: قل لا إله إلا الله فقال: الناصر مولاي فأعاد عليه القول وأبوه يكرر الناصر مولاي، الناصر مولاي ثم مات، وقيل لآخر قل لا إله إلا الله فجعل يقول الدار الفلانية أصلحوا فيها كذا والبستان الفلاني افعلوا فيه كذا، وقيل لأحد المرابين عند موته قل لا إله إلا الله فجعل يقول عشرة بأحد عشر يكررها حتى مات . الداء والدواء ص: 170، 289 . وبعضهم قد يسود لونه أو يتحول عن القبلة وقال ابن الجوزي رحمه الله لقد سمعت بعض من كنت أظن فيه كثرة خير وهو يقول في ليالي موته " ربي هو ذا يظلمني " - تعالى الله عن قوله- فاتهم الله بالظلم وهو على فراش الموت ثم قال ابن الجوزي رحمه الله: فلم أزل منزعجاً مهتماً بتحصيل عدة ألقى بها هذا اليوم . صيد الخواطر 137 . وسبحان الله كم شاهد الناس من هذا عبراً ؟ والذي يخفى عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم . الداء والدواء 171 .
8- الإكثار من ذكر الموت: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات يعني الموت) رواه الترمذي رقم 2307 وهو في صحيح الجامع 1210 . وتذكر الموت يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي ولا يذكره أحد في ضيق من العيش إلا وسعه عليه ولا ذكره في سعة إلا ضيقها عليه ومن أعظم ما يذكر بالموت زيارة القبور ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزيارتها فقال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هجراً) رواه الحاكم 1/376 وهو في صحيح الجامع 4584 . بل يجوز للمسلم أن يزور مقابر الكفار للاتعاظ والدليل على ذلك ما ورد في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم: (زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت) رواه مسلم 3/65. فزيارة القبور من أعظم وسائل ترقيق القلوب وينتفع الزائر بذكر الموت وكذلك ينتفع الموتى بالدعاء لهم ومما ورد في السنة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون) رواه مسلم رقم 974 . وينبغي لمن عزم على الزيارة أن يتأدب بآدابها ويحضر قلبه في إتيانها ويقصد بزيارته وجه الله وإصلاح فساد قلبه ثم يعتبر بمن صار تحت التراب وانقطع عن الأهل والأحباب فليتأمل الزائر حال من مضى من إخوانه ودرج من أقرانه الذين بلغوا الآمال وجمعوا الأموال كيف انقطعت آمالهم ولم تغن عنهم أموالهم ومحا التراب محاسن وجوههم وافترقت في القبور أجزاؤهم وترمل بعدهم نساؤهم وشمل ذل اليتم أولادهم وليتذكر آفة الانخداع بالأسباب والركون إلى الصحة والشباب والميل إلى اللهو واللعب وأنه لا بد صائر إلى مصيرهم، وليتفكر في حال الميت كيف تهدمت رجلاه، وسالت عيناه، وأكل الدود لسانه، وأبلى التراب أسنانه . التذكرة للقرطبي ص: 16 وما بعدها بتصرف .

يا من يصيح إلى داعي الشقاء وقد
نادى به الناعيان الشيب والكبر
إن كنت لا تسمع الذكرى ففيم ترى
في رأسك الواعيان السمع والبصر
ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل
لم يهده الهاديان العين والأثر
لا الدهر يبقي ولا الدنيا ولا الفلك
الأعلى ولا النيران الشمس والقمر
ليرحلن عن الدنيا وإن كرها
فراقها الثاويان البدو والحضر


الأبيات لعبد الله بن محمد الأندلسي الشنتريني: تفسير ابن كثير 5/436 .
ومن أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضا بالكفاف، والتكاسل بالعبادة، ومما يؤثر في النفس من مشاهد الموت رؤية المحتضرين فإن النظر إلى الميت ومشاهدة سكراته ونزعاته وتأمل صورته بعد مماته ما يقطع عن النفوس لذاتها ويمنع الأجفان من النوم والأبدان من الراحة ويبعث على العمل ويزيد في الاجتهاد . دخل الحسن البصري على مريض يعوده فوجده في سكرات الموت فنظر إلى كربه وشدة وما نزل به فرجع إلى أهله بغير اللون الذي خرج به من عندهم فقالوا له الطعام يرحمك الله فقال: يا أهلاه عليكم بطعامكم وشرابكم والله لقد رأيت مصرعاً لا أزال أعمل له حتى ألقاه . التذكرة 17 .

ومن تمام الشعور بالموت الصلاة على الجنازة، وحملها على الأعناق والذهاب بها إلى المقبرة ودفن الميت، ومواراة التراب عليه وهذا يذكر بالآخرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عودوا المرضى واتبعوا الجنائز تذكركم الآخرة) رواه أحمد 3/48 وهو في صحيح الجامع 4109 . وبالإضافة إلى ذلك فإن في اتباع الجنازة أجراً عظيماً ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: (من شهد الجنازة من بيتها - وفي رواية: من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً - حتى يصل عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان من الأجر) قيل يا رسول الله وما القيراطان قال: (مثل الجبلين العظيمين) (وفي رواية كل قيراط مثل أحد) . رواه الشيخان وغيرها والسياق مجموع من الروايات: أحكام الجنائز للألباني ص: 67 .

وكان السلف رحمهم الله يذكرون الموت عند نصح رجل يواقع معصية، فهذا أحد السلف رحمه الله وكان في مجلسه رجل ذكر آخر بغيبة فقال واعظاً الذي يغتاب: " اذكر القطن إذا وضعوه على عينيك " أي عند التكفين .
9- ومن الأمور التي تجدد الإيمان بالقلب: تذكر منازل الآخرة، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: " فإذا صحت فكرته أوجبت له البصيرة فهي نور في القلب، يبصر به الوعد والوعيد، والجنة والنار، وما أعد الله في هذه لأوليائه وفي هذه لأعدائه، فأبصر الناس وقد خرجوا من قبورهم مهطعين لدعوة الحق، وقد نزلت ملائكة السماوات فأحاطت بهم، وقد جاء الله وقد نصب كرسيه لفصل القضاء، وقد أشرقت الأرض بنوره ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء، وقد نصب الميزان وتطايرت الصحف، واجتمعت الخصوم، وتعلق كل غريم بغريمه ولاح الحوض وأكوابه عن كثب، وكثرة العطاش، وقل الوارد، ونصب الجسر للعبور، ولز الناس إليه وقسمت الأنوار دون ظلمته للعبور عليه والنار يحطم بعضها بعضاً تحته، والمتساقطون فيها أضعاف أضعاف الناجين، فينفتح في قلبه عين يرى بها ذلك ويقوم بقلبه شاهد من شواهد الآخرة يريه الآخرة ودوامها والدنيا وسرعة أنقضائها . مدارج السالكين 1/123 . والقرآن العظيم فيه ذكر كثير لمشاهد اليوم الآخر في سورة ق والواقعة والقيامة والمرسلات والنبأ والمطففين والتكوير، وكذلك في مصنفات الحديث مذكورة فيها تحت أبواب مثل القيامة، والرقاق، والجنة، والنار ومن المهم كذلك في هذا الجانب قراءة كتب أهل العلم المفردة لهذا الغرض مثل حادي الأرواح لابن القيم، والنهاية في الفتن والملاحم لابن كثير، والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي، والقيامة الكبرى والجنة والنار لعمر الأشقر وغيرها، والمقصود أن مما يزيد الإيمان العلم بمشاهد القيامة كالبعث والنشور، والحشر، والشفاعة، والحساب، والجزاء، والقصاص، والميزان، والحوض، والصراط، ودار القرار، والجنة أو النار .
10- ومن الأمور التي تجدد الإيمان: التفاعل مع الآيات الكونية روى البخاري ومسلم وغيرهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى غيماً أو ريحاً عرف ذلك في وجهه) فقالت عائشة: يا رسول الله، أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر، وأراك إذا رأيته عرفت في وجهك الكراهية، فقال: (يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب قد عذب قوم بالريح وقد رأى قوم العذاب فقالوا: (هذا عارض ممطرنا) رواه مسلم 899 . وكان صلى الله عليه وسلم يقوم فزعاً إذا رأى الكسوف كما جاء في صحيح البخاري عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (خسفت الشمس فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعاً يخشى أن تكون الساعة) . فتح الباري 2/545 . وأمرنا عليه الصلاة والسلام عند الكسوف والخسوف أن نفزع إلى الصلاة وأخبر أنهما من آيات الله التي يخوف بها عباده، ولا شك أن تفاعل القلب مع هذه الظواهر والفزع منها يجدد الإيمان في القلب، ويذكر بعذاب الله، وبطشه، وعظمته، وقوته، ونقمته، وقالت عائشة: (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي ثم أشار إلى القمر فقال: يا عائشة: استعيذي بالله من شر هذا فإن هذا هو الغاسق إذا وقب) رواه أحمد 6/237 وهو في السلسلة الصحيحة . ومن أمثلة ذلك أيضاً: التأثر عند المرور بمواضع الخسف والعذاب وقبور الظالمين، فقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه لما وصلوا الحجر: (لا تدخلوا عليهم هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم) رواه البخاري رقم 423 . هذا والناس اليوم يذهبون إليها للسياحة والتصوير فتأمل !!.
11- ومن الأمور بالغة الأهمية  في علاج ضعف الإيمان ذكر الله تعالى وهو جلاء القلوب وشفاؤها، ودواؤها عند اعتلالها، وهو روح الأعمال الصالحة وقد أمر الله به فقال: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً) ووعد بالفلاح من أكثر منه فقال: (واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون) وذكر الله أكبر من كل شيء قال الله تعالى: (ولذكر الله أكبر) وهو وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمن كثرت عليه شرائع الإسلام فقال له: (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) رواه الترمذي 3375 وقال حديث حسن غريب وهو في صحيح الكلم 3 . وهو مرضاة للرحمن مطردة للشيطان مزيل للهم والغم وجالب للرزق فاتح لأبواب المعرفة وهو غراس الجنة وسبب لترك آفات اللسان، وهو سلوة أحزان الفقراء الذين لا يجدون ما يتصدقون به فعوضهم الله بالذكر الذي ينوب عن الطاعات البدنية والمالية ويقوم مقامها، وترك ذكر الله من أسباب قسوة القلب:

فنسيان ذكر الله موت قلوبهم
وأجسامهم قبل القبور قبور
وأرواحهم في وحشة من جسومهم
وليس لهم حتى النشور نشور

ولذلك لا بد لمن يريد علاج ضعف إيمانه من الإكثار من ذكر الله قال تعالى: {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} (24) سورة الكهف . وقال الله تعالى مبيناً أثر الذكر على القلب: {أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد /28 . وقال ابن القيم رحمه الله تعالى عن العلاج بالذكر: " في القلب قسوة لا يذيبها إلا ذكر الله تعالى فينبغي للعبد أن يداوي قسوة قلبه بذكر الله تعالى. وقال رجل للحسن البصري رحمه الله: يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي قال أذبه بالذكر . وهذا لأن القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة، فإذا ذكر الله تعالى ذابت تلك القسوة كما يذوب الرصاص في النار، فما أذيبت قسوة القلوب بمثل ذكر الله عز وجل و " الذكر شفاء القلب ودواؤه، والغفلة مرضه وشفاؤها ودواؤها في ذكر الله تعالى قال مكحول ذكر الله تعالى شفاء، وذكر الناس داء " الوابل الصيب رافع الكلم الطيب 142 .

وبالذكر يصرع العبد الشيطان كما يصرع الشيطان أهل الغفلة والنسيان . قال بعض السلف: إذا تمكن الذكر من القلب، فإذا دنا منه الشيطان صرعه كما يصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان فيجتمع عليه الشياطين - أي يجتمعون على الشيطان الذي حاول أن يتقرب من قلب المؤمن - فيقولون ما لهذا، فيقال: قد مسه الإنسي ! مدارج السالكين 2/424 . وأكثر الناس الذين تمسهم الشياطين هم من أهل الغفلة الذين لم يتحصنوا بالأوراد والأذكار، ولذلك سهل تلبس الشياطين بهم .
وبعض الذين يشكون من ضعف الإيمان تثقل عليهم بعض وسائل العلاج كقيام الليل والنوافل فيكون من المناسب لهم البدء بهذا العلاج والحرص عليه فيحفظون من الأذكار المطلقة ما يرددونه باستمرار مثل: " لا إله إلا الله لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير " و " سبحان الله وبحمده، وسبحان الله العظيم " و " لا حول ولا قوة إلا بالله " وغيرها، ويحفظون كذلك من الأذكار المقيدة التي جاءت في السنة ما يرددونه إذا حان وقته زماناً أو مكاناً مثل أذكار الصباح والمساء والنوم والاستيقاظ والرؤى والأحلام والأكل والخلاء والسفر والمطر والأذان والمسجد والاستخارة والمصيبة والمقابر والريح ورؤية الهلال وركوب الدابة والسلام والعطاس وصياح الديكة والنهيق والنباح وكفارة المجلس ورؤية أهل البلاء وغيرها، ولا ريب أن من حافظ على هذه سيجد الأثر مباشراً في قلبه . لشيخ الإسلام ابن تيمة رسالة مفيدة في الأذكار اسماها الكلم الطيب اختصرها الألباني باسم صحيح الكلم الطيب .
12- ومن الأمور التي تجدد الإيمان مناجاة الله والانكسار بين يديه عز وجل، وكلما كان العبد أكثر ذلة وخضوعاً كان إلى الله أقرب ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء) رواه مسلم 482 . لأن حال السجود فيها ذلة وخضوع ليست في بقية الهيئات والأوضاع، فلما ألزق العبد جبهته في الأرض - وهي أعلى شيء فيه - صار أقرب ما يكون من ربه . يقول ابن القيم رحمه الله في كلام جميل بلسان الذلة والانكسار للتائب بين يدي الله: " فلله ما أحلى قول القائل في هذه الحال: أسألك بعزك وذلي إلا رحمتني، أسألك بقوتك وضعفي، وبغناك عني وفقري إليك، هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك، عبيدك سواي كثير، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، أسألك مسألة المساكين، وأبتهل إليك ابتهال الخاضع الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير، سؤال من خضعت لك رقبته ورغم لك أنفه، وفاضت لك عيناه، وذل لك قلبه " فعندما يأتي العبد بمثل هذه الكلمات مناجياً ربه فإن الإيمان يتضاعف في قلبه أضعافاً مضاعفة .
وكذلك إظهار الافتقار إلى الله مما يقوي الإيمان والله سبحانه وتعالى قد أخبرنا بفقرنا إليه وحاجتنا له فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} فاطر/15 .
13- قصر الأمل: وهذا مهم جداً في تجديد الإيمان، يقول ابن القيم رحمه الله: " ومن أعظم ما فيها هذه الآية {أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} الشعراء /205 (كأن لم يلبثوا إلا ساعة من نهار) فهذه كل الدنيا فلا يطول الإنسان الأمل، يقول: سأعيش وسأعيش، قال بعض السلف لرجل صلّي بنا الظهر، فقال الرجل: إن صليت بكم الظهر لم أصل بكم العصر، فقال: وكأنك تؤمل أن تعيش لصلاة العصر، نعوذ بالله من طول الأمل .
14- التفكر في حقارة  الدنيا حتى يزول التعلق بها من قلب العبد قال الله تعالى: (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مطعم ابن آدم قد ضرب للدنيا مثلاً، فانظر ما يخرج من ابن آدم وإن قزحه وملحه، قد علم إلى ما يصير) رواه الطبراني في الكبير 1/198 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 382 . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو علماً أو متعلماً) رواه ابن ماجه رقم 4112 وهو في صحيح الترغيب والترهيب رقم 71 .
15- ومن الأمور المجددة للإيمان في القلب: تعظيم حرمات الله، يقول الله تعالى: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) الحج/32 . وحرمات الله هي حقوق الله سبحانه وتعالى، وقد تكون في الأشخاص وقد تكون في الأمكنة وقد تكون في الأزمنة، فمن تعظيم حرمات الله في الأشخاص القيام بحق الرسول صلى الله عليه وسلم مثلاً، ومن تعظيم شعائر الله في الأمكنة تعظيم الحرم مثلاً، ومن تعظيم شعائر الله في الأزمنة تعظيم شهر رمضان مثلاً: (ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه) الحج/30، ومن التعظيم لحرمات الله عدم احتقار الصغائر وقد روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه) وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلاً كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سواداً فأججوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها . رواه أحمد 1/402 وهو في السلسلة الصحيحة 389.

خل الذنوب صغيرها
وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماش فوق أرض
الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة
إن الجبال من الحصى


يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: " كثير من الناس يتسامحون في أمور يظنونها هينة وهي تقدح في الأصول، مثل إطلاق البصر في المحرمات، وكاستعارة بعض طلاب العلم جزءاً لا يردونه) وقال بعض السلف: " تسامحت بلقمة فتناولتها فأنا اليوم من أربعين سنة إلى خلف " وهذا من تواضعه رحمه الله .
16- ومن الأمور التي تجدد الإيمان في القلب: الولاء والبراء  أي موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين، وذلك أن القلب إذا تعلق بأعداء الله يضعف جداً وتذوى معاني العقيدة فيه، فإذا جرد الولاء لله فوالي عباد الله المؤمنين وناصرهم، وعادى أعداء الله ومقتهم فإنه يحيى بالإيمان .
17- وللتواضع دور فعال في تجديد الإيمان وجلاء القلب من صدأ الكبر، لأن التواضع في الكلام والمظهر دال على تواضع القلب الله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (البذاذة من الإيمان) رواه ابن ماجه 4118 وهو في السلسلة الصحيحة رقم 341 ومعناه أراد التواضع في الهيئة واللباس انظر النهاية لابن الأثير 1/110 . وقال أيضاً: من ترك اللباس تواضعاً لله وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها) رواه الترمذي رقم 2481 وهو في السلسلة الصحيحة 718 . وقد كان عبد الرحمن بن عوف رضي الله لا يعرف من بين عبيده .
18- وهناك أعمال للقلوب، مهمة في تجديد الإيمان مثل محبة الله والخوف منه ورجائه وحسن الظن به والتوكل عليه، والرضا به وبقضائه، والشكر له والصدق معه واليقين به، والثقة به سبحانه، والتوبة إليه وما سوى ذلك من الأعمال القلبية .
وهناك مقامات ينبغي على العبد الوصول إليها لاستكمال العلاج كالاستقامة والإنابة والتذكر والاعتصام بالكتاب والسنة والخشوع والزهد والورع والمراقبة وقد أفاض في هذه المقامات ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين .
19- ومحاسبة النفس مهمة في تجديد الإيمان يقول جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد) الحشر /18 وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا " ويقول الحسن لا تلقى المؤمن إلا وهو يحاسب نفسه، وقال ميمون بن مهران إن التقي أشد محاسبة لنفسه من شريك شحيح .
وقال ابن القيم رحمه الله: وهلاك النفس من إهمال محاسبتها ومن موافقتها واتباع هواها .
فلا بد أن يكون للمسلم وقت يخلو فيه بنفسه فيراجعها ويحاسبها وينظر في شأنها، وماذا قدم من الزاد ليوم المعاد .
20- وختاماً فإن دعاء الله عز وجل من أقوى الأسباب التي ينبغي على العبد أن يبذلها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم) .
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجدد الإيمان في قلوبنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين 


منقوووووووووول

 ودمتم سالمين فى رعاية الله