الاثنين، يناير 18، 2010

طابور الحياة

دخلت الى المكان فهالنى مارايت ، هل حقا على ان اقف فى هذا الطابور الطويييل ، ياااااااه كل هذا الوقت ، حسنا لابد ان ابادر اذا ، اخذت مكانى وبسرعة ، وحاولت ان اضيع وقتى بمراقبة من حولى ورصد سلوكياتهم ، وبعد برهة من الزمن حيث الفت المكان والفت الوضع  رايت امام عينى رجل بدين يتصبب عرقا برغم برودة الجو من حولى  وكان يحمل تحت ابطيه صحيفة وفى اليد الاخرى بطيخة ، باختصار كان مثالا للموظف المصرى المطحوووووون . فبادرته بالسؤال :
هل انت متعب يا سيدى ؟
فرمقنى بعينيه وكانما يرانى لاول مرة ، بالرغم ان اعيننا التقيات مرات عديد قبل ان نتحدث ، ونظر الى طويلا قبل ان يجيب قائلا .
ولماذا تسأل ؟ هل يبدو على وجهى اثار تعب؟!!
قلت له فى هدوء ، نعم الى حد ما ، فالعرق يتصبب منك برغم اعتدال الجو .
فابتسم الرجل ابتسامة شاحبة ورد سريعا وبطريقة الية الفتها كثيرا .
انها زوجتى يا فتى  انها ترهقنى بمطالبها التى لا تنتهى  ، وانا موظف بسيط وغير قادر على ملاحقة هذا الكم من الطلبات .
وقبل ان رد عليه ، بادر الشاب الذى يسبقه فى الطابور ( كعادة المصريين فى كل مكان  ، حوار عابر بين اثنين من الممكن ان ينشأ فى مقهى او وسيلة مواصلات او فى نادى  فيتحول الامر الى منتدى ثقافى وملتقى للافكار والارأء) .
المهم قال الشاب : انه خطاؤك منذ البداية يا سيدى ( ربطت ) نفسك بزوجة واولاد وبيت ... انظر مثلا الى ، انى مستمتع بحياتى فلا ضغوط او مسئوليات .
رمقته بنظرة حادة ، ومرة اخرى قبل ان اجيب  تدخل رجلا كهلا فى السبعين من عمره او كما يبدوا ذلك قائلا .
عندما تهرمون مثلى ستعرفون ان الحياة كلها متعاب ، ثم استطرد قائلا وكانه يؤسس احدى اهم نظريات القرن الواحد والعشرين .. وصدقونى يا ابنائى فان خير الدنيا ونيل سعادتها لا يكون الا بالبعد قدر الامكان عنها .
لمحت فى الجهة المقابلة لنا سيدة قاربت على الاربعين من عمرها تنظر الينا على استحياء وكانما تود طرح رايها ، فبادرتها قائلا .
وانتى ياسيدتى مارأيك فى هذا الموضوع ؟ .
فردت قائلة بحماس .. المهم اننا نربى اولادنا التربية المثالية وكل شىء بعد كده يهون ومش مهم . ثم ربتت على راس صغيرها الذى كانت تحمله بين ذراعيها .
وفجأة
اقترب منا صبى فى الرابعة عشر من عمرة وصرخ قائلا ... ما هذا الطابور يا عم ؟

اجابه الرجل البدين الذى اثقلته زوجته بالهموم ، يقولون انهم يوزعون هنا سلع تموينية .
لكن الرجل العجوز  التفت اليه فى حدة قائلا باستنكار  .. لا لا ياولدى لقد اخبرونى انهم يحجزون تذاكر العمره من هنا .
قال الشاب الذى يسبق الرجل البدين فى الطابور على استحياء ... بصراحة انا ( مش عارف ) ... لقد وجدت تجمعنا فحدثتنى نفسى بالاقتراب من باب الفضول .

فقالت السيدة ياجماعة انتو فاهمين غلط  .. لقد دلونى على هذا الشباك كى احجز لابنتى فى المدرسة .

نظرت حولى غير مصدق ، هل من الممكن ان كلنا نقف امام شباك واحد ولكل منا غرض وهدف مختلف ؟!!

نعم فهذه هى الحياة ، كلنا يعيشها هى نفس الحياة ، ولكن لهل منا هدف واسلوب وشخصية مختلفة ، وكل من يراها بعينيه هو ، ويستهلكها بطريقته هو ، وكلنا يختار وكلنا مسئول عن اختياراته .
من منا يعرف هدفه فى الحياة ، من منا بدا يعد الخطط والبرامج ليخطط لوقته وينظمه ، من منا يعيش الحياة فقط لانه يحيا ولانه وجد الناس يعيشونها .
الان انت كائن بشرى مسؤل عن اخياراتك وافعالك ، فتمهل قبل الاختيار ، فانها حياتك انت وانت وحدك من سيحسب عليها امام خالقها .

وعلينا ان نذكر هنا حديث سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: (  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ  ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.