الجمعة، ديسمبر 30، 2011

لس دفاعا عن الشيخ محمد حسان

نعم ليس دفاعا عن الشيخ محمد حسان
فالشيخ الفاضل لا يحتاج الى مثلى ليدافع عنه وقد قيد الله لامثاله ملائكة ترد عنه فى حق كل من يتطاول عليه او ينال منه

اسمع الفيديو وبعدين اقرأ التعليق عليه


 
                                      




طبعا كلنا او على الاقل بعضنا شاف وسمع الفيديو ده !!
وطبعا بكل تأكيد اتشكل عند اللى سمعه انطباع بان الشيخ محمد حسان وأسفاه طلع منافق .
او على الاقل سقط من نظر ناس كتير .
وطبعا ده لاننا أخدنا بظاهر الكلام اللى سمعناه دون ان نعمل عقولنا او نفكر فى كلام الشيخ او حتى نحاول ان نعرف ماذا يقصد ، ودى للأسف مشكلة ناس كتير قوى بتاخد دائما بظاهر الكلام اللى بتسمعه وبعدين تدى الحق لنفسها انها تصدر احكام مسبقة من غير تعقل او تدبر وترجع تسوق المبررات كالعادة .
وهناك اخرون هما كدة كدة مش محتاجين لشىء عشان يتطاولوا على الشيخ محمد حسان او غيره من المشايخ لكن فيديوا زى ده ممكن قوى يكون محتاجة عشان يرضى هوسه او مرضه النفسى ويبرر لها حكمته البالغة الفائقة فى موقفه من المشايخ والعلماء ، فعلا فيه ناس كدة ربنا يحفظنا منهم .

و طبعا انا مش محتاج اقول انه وان كان فيه ناس كدة فان هناك الكثير جدا من الناس ( اكثر من الناس الاولنيين) عاقلين ومحترمين ولا يحبون النظر الى الامور بسطحية ولا يتسرعون او يصدرون الاحكام  معتمدين فقط على سوء الظنون والسماع للاشاعات .
وانا هنا لست مدافعا عن شيخنا الفاضل فالملائكة ترد عنه فى حق كل من سبه او شتمه او جهل عليه .

انما لو نظرنا نظره موضوعيه لما تحمله كلماته من معانى فسنجد الاتى

انه اصاب كبد الحقيقة والله
نعممممم اصاب كبد الحقيقة

ولن ياتى التغيير بالمظاهرات ابدا ابدا
عارفين ليه
لان الشيطان اللى عمل المقطع ده حب انه يضلل الناس ويظهر شيخنا الفاضل بمظهر الذى يناقض كلامه ونشره لما نجحت ثورة 25 فى تغيير ( النظام ) شوفت انا حاطط قوسين على ايه ؟
على كلمة النظام .وطبعا هو هنا حابب يلفت نظر السادة المستمعين ان الشيخ كلامه خطأ او انه يناقض نفسه فى حين ان الشيخ لم يناقض نفسه مطلقا والاهم ان كلامه فعلا صحيح
لان تغيير النظام ليس هو التغيير المقصود او المنشود!!
يا فرحتى غيرت نظام فاسد وبعد فترة من الزمن حل علينا من هو افسد منه.
الانظمه الحاكمة صالحة او فاسدة بتروح وبتيجى مع مرور الزمن.

انما التغيير هو تغييرنا احنا من الداخل بان نخلص النية لله ولو لاحظت فى كلام الشيخ فى اخر الفيديو الموجز ده واللى تم قطع كلامه بتعمد انه قال ( ممكن الواحد يمشى فى مظاهرة خمس ساعات ومايصليش الضهر ) يبقى اللى زى ده عاوز تغيير ايه وهو مش ناوى يتغير ؟؟؟؟؟؟
التغيير يا اخوة هو تغيير النفوس احنا كافراد محتاجين نعمل ثورة على انفسنا حتى نتخلق بخلق القرآن الكريم . ونقرب من ربنا
يعنى بتبع اوامر الله وتعاليمة وتعاليم رسولنا الكريم اتباعا حسنا جميلا ولا نبتدع ولا نتبع اهوائنا .
يعنى لما نغلط نعترف بغلطنا ونصححه .
يعنى لا نغتاب ولا نظلم الناس بناءا على ظنون عقول مريضة .

لابد ان نتغير فى ثلاثة امور
فى معاملتنا مع الله
فى معاملتنا مع الناس
فى معاملتنا مع النفس
تلك هى محاور التغيير الحقيقية التى يقصدها الشيخ الفاضل محمد حسان

والتى من الممكن ان نفهمها اكثر عندما نستمع جيدا الى هذه الاحاديث الشريفه

أخرج البخاري وأحمد عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: (إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنْ الشَّعَرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمُوبِقَاتِ) يَعْنِي: الْمُهْلِكَاتِ.
وأخرج أحمد في المسند عن عَائِشَةَ –رضي الله عنها- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ: "يَا عَائِشَةُ! إِيَّاكِ وَمُحَقِّرَاتِ الذُّنُوبِ! (وعند ابن ماجه: إِيَّاكِ وَمُحَقَّرَاتِ الْأَعْمَالِ) فَإِنَّ لَهَا مِنْ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- طَالِبًا". وصححه الألباني. والمحقرات: ما لا يبالي المرء بها ظنا منه بأنها صغيرة وحقيرة.

وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّمَا مَثَلُ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا بَطْنَ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، حَتَّى حَمَلُوا مَا أَنْضَجُوا بِهِ خُبْزَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ مَتَى يَأْخُذْ بِهَا صَاحِبُهَا تُهْلِكْهُ". رواه أحمد، والطبراني واللفظ له، وصححه الألباني.
والمسلمون اليوم لا يأتون محقرات الذنوب فقط، بل يتورط منهم من يتورط في الكبائر والموبقات، من شرك، وسحر، وقتل للنفس المعصومة، وأكل للربا، وأكل لمال اليتيم، وغير ذلك، نسأل الله السلامة والعافية. ثم يقول قائلهم: أنى هذا؟ ويسأل سائلهم: لماذا ينزل بنا ما ينزل من البلاء والمحن، والفقر والمرض؟!
الجواب
( ان الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )


اما عن تغيير الانظمه فانا اقول ان الله تعالى جرت سنته على انه اذا ظلم وافسد وفسق شعب ما فان الله تعالى يسلط عليهم الغلاء والحاكم الظالم من انفسهم ، وقد ورد هذا المعنى فى احد الاحاديث القدسية .


وكما يتضح من هذا الحديث النبوى الراائع
روى ابن ماجة فى سننه وحسنه الألبانى فى السلسلة الصحيحة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :

"يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ "



وهذا معناه اننا من يختار الحاكم فاذا كنا فسادا سلط الله علينا منا من يحكمنا بظلمه
فاساس التغيير هو تغيير الافراد

( ابدأ بنفسك ثم بمن تعول )
( أقم دولة الاسلام فى قلبك )

ارجوا ان تكون قد اوفيت


دمتم سالمين فى رعاية الله

الأحد، ديسمبر 25، 2011

ما اشبه الليلة بالبارحة

ليس غريبا ما يتعرض له الدعاة والعلماء وما يتعرض له الاسلاميين من هجوم شرس وحرب لا هوادة فيها ، فالناظر الى التاريخ الاسلامى بل والى سير الانبياء والعلماء يعلم تماما ان هذه هى الضريبة التى يدفهعا كل من يتصدر لامر الدعوة الى الله تعالى داعيا الناس الى ما يرضى رب الناس والى ما يخالف اهوائهم ونفسوهم الامارة بالسوء .
وحقيقة الامر ان ذلك الهجوم المنظم احيانا والعشوائى فى احيان اخرى ليس وليد الساعة بل هو منذ ان بدأ الله ارسال الرسل والانبياء مبشرين ومنذرين ، وان من يتولى الهجوم عليهم اسليبهم وطرقهم والياتهم واحدة لا تتغير ولا تتبدل بتغير الزمان بل ان الذى يتغير هو المسميات فقط ، حتى ظهرت فى زماننا المعاصر مسميات من قبيل ( العلمانيين والليبراليين والشيوعيين والديموقراطيين ) وهم كلهم على اختلاف مناهجهم ومنطلقاتهم الا انهم واحد ( فالكفر كله ملة واحدة ) والناظر الى حقيقة هذه الايديولوجيات والافكار يجد انها لم تات بجديد بجديد بل انها مبنية على خلفيات قديمة جدا منها بعض الافكار من الهندوسية وبعضها من المجوسية وبعضها من المسيحية وبعضها من اليهودية وبعضها من مبادىء بوذا وبعضها من مبادىء كونفيشيوس ، اى انها خليط وهجين من كل هذه العقائد والايديولوجيات ، ولكنها ظهرت اخيرا بثوبها الجديد ( القديم ).
واذا نظرنا الى حقيقة الهجوم الشرس والحرب الضارية على كل ما هو اسلامى  نجد ان الحجج التى يسوقها متبنى هذا الهجوم والقائم عليه هى نفس الحجج الذى ساقها من كان قبله واسلافه من الكفار والمنافقين . بل وانه لينتهج نفس النهج ونفس الاسلوب وبنفس الطريقة والتمرحل الذى اتبعه القدماء منهم.
وسوف احاول هنا ان اذكر بعضا من هذه الحجج والاساليب التى عادت للظهور مؤخرا ومقارنتها بما حدث ايام سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .

ـ ان من اهم ما يعتمد عليه هؤلاء هو التكذيب والتخوين فاذا فشلوا فى هذا قاموا بالتشكيك فى كل ما يقدمه الاسلاميين ، علما منهم ان الاسلام متمكن ومتجذر فى القلوب وتسانده الفطرة التى فطر الله الناس عليها ، فلا يتجرأون على مهاجمة الاسلام بشكل مباشر لانهم يعلمون انها حرب خاسرة لا محاولة ، بل يعمدون الى التشكيك فيما يقدمه الاسلاميين والتحقير من شانهم فى محاولة الى ابعاد الناس عنهم او على الاقل حتى يتنظر لهم العامة بنظرة الشك والريبة ، وذلك لاسقاط الرمز فاذا تحقق هذا سقط ما يتبناه الرمز بالتأكيد .
وما يشابهه هذا ما قام به الكفار من تكذيب سيدنا محمد صراحة ، وكان اول من كذبه هو عمه ( ابو لهب ) من لحمه ودمه وهو عصبه ، وكان اولى الناس به ، فى اشارة ربانية الى انه لايجوز ان نركن للمنافق حتى لو كان ذا قربى ، وانه ليس بمستغرب او مستبعد ان يخالفنا فى عقيدتنا من هم من ابناء جلدتنا . وياتى تكذيب المصطفى عليه السلام بعد دقائق قليلة من شهادة الجميع له بانه الصادق الامين ، وبما ان هذه المحاولة لن تفلح ، فقد عمدوا الى الاضهاد والمصادرة على حرية الراى والتعبير ورمى اتباعه بالباطل والفرى ، حتى انهم رموه هو شخصيا باى هو وامى بالباطل والفرى ، فارادوا ان يحقروا من شانه بين العامه وان يحذروا بعضهم بعضا منه واصفين اياه بانه كاهن تاره وانه ساحر تاره وانه مجنون تاره وانه ياتى باساطير الاولين تاره ، وغير هذا كثيرا ، واخذوا يحذرون الناس فى الجزيرة العربية ، منه ومن سحره وجنونه وشططه وانه يفرق بين الزوج وزوجته ويفسد علينا عبيدنا الى اخره من سائر الافتراءات والاكاذيب التى لا دليل عليها مطلقا سوى انهم يشدون اذر بعضهم بعضا اما لقرابة او مصالح مشتركة او لصداقة او ما شابهه .
حتى وصل الامر الى اليمن ، وكان فيهم الطفيل بن عمرو الدوسى الذى اراد يوما ان يحج البيت الحرام ويطوف به وبالاصنام ولما حزم حقائبه حذره اهله وبنى عشيرته من بنى دوس من الرسول وقالوا له انك ستلقى رجلا كاذب يدعى النبوة اياك ان تسمع له والا سيفتنك ، وهنا لنا وقفه قبل ان استكمل ، وهى فى الحقيقة آفه عظيمة اصيبنا بها جميعا من حيث لا ندرى ، فما اسهل تناقل الاشاعات وما اسهل ان ياكل بعضنا لحم بعض بالغيبة والبهتان ، انهم يحذرونه بالا يسمع منه !! اى انهم يريدون المصادر على حق الاخر فى الدفاع عن نفسه وتقديم ما يفيد صحة موقفه ، انهم لا يريدون ان يظهروا بانهم هم الكاذبين وانهم هم المخطئين ، ومن اجل هذا لا تسمع منه بل اسمع عنه ما نقوله نحن ، ولهذا فانه لا يجوز لامرىء يؤمن بالله واليوم الاخر ان يتخذ موقفا من اخيه لمجرد انه سمع عنه ما سمع حتى لو كان من ابيه وامه لا من مجرد اناس اصابهم العته ويحسبون انهم يحسنون صنعا ،
المهم ان الطفيل سمع من اهله ما سمع وعقد العزم على تنفيذ نصيحتهم ولكن يابى الله الا ان يحقق له النجاه ، فقد كان يطوف بالكعبة وصادف ان الرسول كان يصلى هناك ويقرا القرآن بصوت هادىء ، فسمع الطفيل ( منه ) بعد ان سمع ( عنه ) ولكنه لم يزل متاثرا بما سمع عنه فقام بسد اذنيه حتى لا يسمعه ، ولكن مرة اخرى تابى ارادة الله الا انه ينجيه من هلاك عظيم ، فاذا بصوت النبى يخترق اذنه كان لم يسددها اصلا ، ثم وجد نفسه يقترب دون ان يشعر منه رويدا رويدا ، ثم دار بينهم حديثا لم يلبث الا ان اسلم الطفيل فى الحال وعاد الى اهله داعيا ، ثم يتكرر الحال من اهله الذين يرفضون ما اتى به من هدى / ويصدونه ويقولون له سحرك محمد ، فعاد الطفيل الى النبى غاضبا وقال له يا رسول الله ادع على بنى دوس فانها تابى الدخول فى الاسلام ، فرفع النبى يديه عاليا ( يقول الطفيل ) لما رايته يرفع يديه متهيئا للدعاء قلت فى نفسى هلكت دوس ـ فاذا بنبى الرحمة يدعو قائلا اللهم اهدى دوسا اللهم أئت بدوس ، فلم يلبثوا حتى دخلوا جميعا الى الاسلام .

ان المحاربون لدين الله والصادين عنه ، يريدون ان يفضوا الناس من حول من ياخذ بايديهم الى الطريق السليم ، فاذا قيل لهم آمنوا كما امن الناس ، قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ؟؟؟؟؟
نعم هى استراتيجيتهم التى يتبنوها ، لا يريدون الايمان ويصدون عنه صدودا ويصفون المؤمنين بالسفهاء تحقيرا لهم ولشأنهم .

- ومن اساليبهم ايضا : الخداع والتلوى وادعاء الايمان بالله واليوم الاخر :
فها نحن اليوم نسمع امورا عجيبة من مدعى الايمان بالله وزاليوم الاخر وبما انزل على سيدنا محمد ، امورا لا تتفق اطلاقا مع صحيح هذا الايمان ان صدقوا اصلا ، ولا تتفق اساسا مع ما جاء به سيدنا محمد .
وهؤلاء بالذات اخطر شاننا من اى عدو اخر ، لان هؤلاء يتكلمون بلغتنا وهم ابناء جلدتنا ويعيشون بيينا وياكلون مما ناكل الا انهم نافقوا فطبع الله على قلوبهم ، واخطر ما فى امرهم انه قد يستشهدون ببعض الايات القرآنية كما سمعنا من بعضهم مؤخرا وبعض الاحاديث النبوية فى غير مواضع الاستشهاد بها لعلمهم ان الغالبية من الناس اليوم قد ابتعدوا عن الفهم الصحيح للقرآن والحديث وانه من السهل الاشكال عليهم بهذه الطريقة .
وهؤلاء يقول الله فى حقهم فى سورة البقرة
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ
ومن الناس فريق يتردد متحيِّرًا بين المؤمنين والكافرين, وهم المنافقون الذين يقولون بألسنتهم: صدَّقْنَا بالله وباليوم الآخر, وهم في باطنهم كاذبون لم يؤمنوا.
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)
يعتقدون بجهلهم أنهم يخادعون الله والذين آمنوا بإظهارهم الإيمان وإضمارهم الكفر, وما يخدعون إلا أنفسهم; لأن عاقبة خداعهم تعود عليهم. ومِن فرط جهلهم لا يُحِسُّون بذلك; لفساد قلوبهم.
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)
في قلوبهم شكٌّ وفساد فابْتُلوا بالمعاصي الموجبة لعقوبتهم, فزادهم الله شكًا, ولهم عقوبة موجعة بسبب كذبهم ونفاقهم.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)
وإذا نُصحوا ليكفُّوا عن الإفساد في الأرض بالكفر والمعاصي, وإفشاء أسرار المؤمنين, وموالاة الكافرين, قالوا كذبًا وجدالا إنما نحن أهل الإصلاح.
أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ (12)
إنَّ هذا الذي يفعلونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد, لكنهم بسبب جهلهم وعنادهم لا يُحِسُّون.
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ (13)
وإذا قيل للمنافقين: آمِنُوا -مثل إيمان الصحابة، وهو الإيمان بالقلب واللسان والجوارح-, جادَلوا وقالوا: أَنُصَدِّق مثل تصديق ضعاف العقل والرأي, فنكون نحن وهم في السَّفَهِ سواء؟ فردَّ الله عليهم بأن السَّفَهَ مقصور عليهم, وهم لا يعلمون أن ما هم فيه هو الضلال والخسران
وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)
هؤلاء المنافقون إذا قابلوا المؤمنين قالوا: صدَّقنا بالإسلام مثلكم, وإذا انصرفوا وذهبوا إلى زعمائهم الكفرة المتمردين على الله أكَّدوا لهم أنهم على ملة الكفر لم يتركوها, وإنما كانوا يَسْتَخِفُّون بالمؤمنين, ويسخرون منهم.
اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)
الله يستهزئ بهم ويُمهلهم; ليزدادوا ضلالا وحَيْرة وترددًا, ويجازيهم على استهزائهم بالمؤمنين.
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)
أولئك المنافقون باعوا أنفسهم في صفقة خاسرة, فأخذوا الكفر, وتركوا الإيمان, فما كسبوا شيئًا, بل خَسِروا الهداية. وهذا هو الخسران المبين.
وامثال هؤلاء عاشوا فى ظل الخلافة الراشده وكانو مبعث الكثير من الفتن التى اطاحت فيما بعد بالخلافة الراشدة .

ومما لا شك فيه اننا نرى امثال هؤلاء يوميا على شاشات الفضائيات يطلون علينا بوجوههم القبيحة يبثون سمومهم الفكرية فى عقول ابناءنا وبناتنا ، يحاولون جاهدين ان يستميلوا الناس حولهم بما فيه هلاكهم .
فقد قال رسولنا الكريم حديثا خطيرا جدا قليل من يفقهه .
فقد روى البخاري في صحيحة عن أبي إدريس الخولاني “ أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسالون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يد ركني، فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر ؟ فقال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير ؟؟ قال: نعم وفيه دخن 0 قلت: وما دخنه ؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتتنا ...........الحديث "
ففى هذا الحديث النبوى يصف الرسول حال هؤلاء المجرمين وصفا دقيقا لكل ذا لب وعقل ، فهؤلاء القوم الذين لا يهتدون بهدى النبى ولا يستنون بسنته هم العلمانيون والليبراليين والشيوعيين  الذين يعيشون بيننا ويتكلمون لغتنا وهم من ابناء جلدتنا ويعرفوننا ونعرفهم ، نسمع منهم وننكر لان الله حفظ فطرتنا السليمة من الدنس هؤلاء هم دعاة ابواب جهنم من استجاب لهم قذفوه فيها .

وهم ايضا من يريد ان يترك التحاكم الى الله ورسوله ويريد ان نتحاكم الى الطاغوت والى الاهواء والى ما وضعه البشر من قوانين بعيدا عن الضوابط الاسلامية الشرعية .
كذبوا والله فلو كانوا يؤمنون حقا بالله واليوم الاخر وما انزل على سيدنا محمد ما قالوا بهذا ابدا .

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً}

{ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير (8) ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق (9)


- ايضا من اساليبهم ( تصيد الاخطاء والهفوات ) مع كونهم غير منصفين ويفتعلون الازمات من خلال التهويل والتضخيم الذى لا مبرر متخيرين الاوقات المناسبه لتنفيذ خديعتهم .
ومن اهم ما استوفنى فى الفترة الماضية هو مشهد تلك الفتاه العفيفة والتى اقدمنا جميعا على ظلمها والافتراء عليها عندما نشرنا مقاطع الفيديو الخاصة بها على شبكات التواصل الاجتماعى واليوتيوب والموبايلات والمنتديات وخلافه ، ان تعرية هذه الفتاه وبغض النظر عما كانت ترتديه هو امر مما لا شك فيه انه عفويا بلا تعمد ، ولا يشك عاقل ابدا انه من الممكن ان يقدم احد ما على تعرية فتاه وتجريدها من ملابسها فى الشارع الا مجرم او معتوه اذا كان الامر بتعمد ، وقد لفت الانتباه الى ان الجريمة الحقيقية هى فى مشهد الضرب المبرح والذى لا يمكن باى حال ان نتساهل فيه فضرب البنات فى الشارع او الطرقات مهما كانت الدوافع هو امر مرفوض باى حال من الاحوال ، فالضرب هو القضية التى يجب ان نسلط الضوء عليها وان نتصدى لهذا الاجرام بكل قوة ، اما عن مشهد التعرى والذى كان عفويا بلا تعمد ، والا كنا سمعنا عن بنات اخريات تعرضن للتعرى ، فهذا المشهد والذى قامت الدنيا بسببه كان من الممكن ان نتجاوزه بشىء من الحكمة لولا ان هناك من يأبى استقرارا لهذا البلد فاخذ على عاتقه تهويل الامر وتصويره وكان الجيش يعرى البنات وينتهك اعراض المصريات فى محاولة لاستفزاز مشاعر المصريين وتحريك ( نخوتهم وشهامتهم ) للخروج الى الميادين والضغط من اجل اسقاط ( الدولة ) متخيرين هذا التوقيت الذى نحتفل فيه بالتحول الديموقراطى المنشود والذى نسعى اليه منذ امد طويل .
وقام البعض بايراد بعض الاحاديث والايات القرآنية ووقائع اخرى ليستشهد بها لمزيدا من شحن النفوس واثارة الفتن والقلاقل فى هذا التوقيت الحرج والذى يجب ان نحذر فيه جيدا من دسائس البعض ، ولم يتحدث احد عن مشهد الجندى الذى سترها (عمدا ) ولم يتركها للعراء ، وبغض النظر عن اى تفاصيل هنا اود فقط ان الفت الانتباه الى ما يشابهه هذا فى زمن عثمان بن عفان ، فهو ثالث الخلفاء الراشدين وكان على راس اقوى دولة فى العالم وقتها وقد ياس الاخرون من تقويض هذه الدولة من الخارج بالحروب ، فاخذوا من وقتها يتحينون اللحظة بعد الاخرى ينتظرون خطأ او هفوة ، وقد كان هذا فى زمن عثمان عندما ولى اقارب له على مصر والشام والعراق ، وقد اخذت بطانته على غير علم منه بارتكاب بعض الامور التى كان من الممكن معالجتها بالحكمة ، فاخذ احد المنافقين على عاتقه ( وهو عبد الله بن سبأ ) تهويل الامر للناس فاخذ يصور بطانة عثمان بالفاسدين فى الارض واخذ ( وهو اليهودى المتأسلم ) يستشهد بالقران والحديث ليثير دوافع الناس للثورة ضد عثمان ، ثم بدأ يتحول تدريجيا الى الهجوم على شخص عثمان نفسه ، حتى تحرك الثوار من الشام والعراق ومصر الى المينة عاصمة الخلافة وحاصروا منزل عثمان ، فاراد على ان يقاتلهم فامره عثمان بالا يفعل ، حتى تسللوا الى بيته فقتلوه ، وكانت النتيجة ان دخلت البلاد فى امور عظام وفتن لاحصر لها نعانى منها الى يومنا هذا .
واذكر ايضا انه فى موقعة الجمل التى كانت بين جيش على رضى الله عنه وبين جيش الزبير وعائشة رضى الله عنهما وقد اتفق الفريقان ان يتصالحا ، الا ان هناك من أبى ان يكون هناك صلحا فاتفقوا على احداث فتنة بان يخرج منهم من جيش على ليلا نفرا ويخرج منهم من جيش الزبير وعائشة ليلا نفرا ثم يضبرون سيوفهم بسيوف بعض حتى تصل قعقعتها الى مسامع الفريقين فيظن كلا منهم ان الاخر هو من نقض الهدنة وخالف العهد وبالفعل نجحت الخطة . الا انها لم تات ثمارها.

اننا كمسلمين ومؤمنين بالله واليوم الاخر مطالبين ومأمورين من الذى امنا به ان نتثبت عند سماع الاخبار والتيقن منها ومن صحتها والا ننساق وراء كل قائل مهما كان ما يقوله ومهما كان شخصه فهو اولا واخيرا بشرا مثل اى بشر يصيب ويخطىء .وخصوصا اذا علمنا انه لا يريد خيرا للبلاد والعباد
وهؤلاء يقول الله تعالى فى حقهم ان كنا نسمع ونعقل ونتدبر جيدا

(وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا)

(وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون) [ 63 \ 5 ] .


ان العقل الذى منحه لنا الله تعالى يدعونا الى ننظر بعين الانصاف الى مجريات الامور من حولنا وان نضع فى اعتبارتنا متغيرات الحال وكافة العوامل الاخرى وان نتعاطى مع القضايا بالانصاف الذى امرنا به المولى تعالى وامرنا به سيدنا محمد لا ان ننظر الى الامور بعيون الاخرين وكانه لا عين لنا ولا عقل متأثرين بما تعرضنا له من استفزاز لمشاعرنا وعواطفنا مغلبين مصالح بلدنا الحبيب فوق كل اعتبار واى مصالح اخرى حتى لا نتسبب فى جر بلادنا الحبيبة الغالية الى ويلات حقبة جديدة من الفتن لا يعلم مداها الا الله تعالى


الى هنا اتوقف على امل اللقاء مرة اخرى واستكمال الجزء الثانى من الموضوع باذن الله

دمتم سالمين فى رعاية الله وأمنه

الأحد، ديسمبر 18، 2011

حسن الظن بالمسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

في الحقيقة أن هذا الموضوع مفيد جدا رزقنا الله وإيكم حسن الظن بالله وحسن الظن بالله عبادة قلبية جليلة لا يتم إيمان العبد إلا به لأنه من صميم التوحيد وواجباته ، حسن الظن بالله هو ظنّ ما يليق بالله تعالى واعتقاد ما يحق بجلاله وما تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العليا مما يؤثر في حياة المؤمن على الوجه الذي يرضي الله تعالى ، تحسين الظن بالله تعالى أن يظن العبد أن الله تعالى راحمه وفارج همه وكاشف غمه وذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله وعفوه وما وعد به أهل التوحيد ، حقا . إنه مسلك دقيق ومنهج وسط بين نقيضين لا يسلكه إلا من وفقه الله وجعل قلبه خالصاً له سبحانه ، لذلك ينبغي أن يكون سمة لازمة يتجلى في حياة المؤمن وعند احتضاره وقرب موته . وحسن الظن بالمؤمنين الظاهر صلاحهم واجب وقبله التعبد لله تعالى بحسن الظن به لأن الله تعالى عند حسن ظن عبده به اللهم ارزقنا حسن الظن بالله ثم بالمؤمنين . ومن أهمية حسن الظن بأهل الدين والذي يجب أن لا نغفل عنه في وقتنا الحالي .

قال في نهاية المبتدئين : حسن الظن بأهل الدين حسن , ظاهر هذا أنه لا يجب , ظاهره أيضا أن حسن الظن بأهل الشر ليس بحسن , فظاهره لا يحرم , وظاهر قوله عليه السلام { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } أن استمراء ظن السوء وتحقيقه لا يجوز , وأوله بعض العلماء على الحكم في الشرع بظن مجرد بلا دليل وليس بمتجه .

وروى الترمذي عن سفيان : الظن الذي يأثم به ما تكلم به , فإن لم يتكلم لم يأثم . وذكر ابن الجوزي قول سفيان هذا عن المفسرين , ثم قال : وذهب بعضهم إلى أنه يأثم بنفس الظن ولو لم ينطق به , وذكر قبل ذلك قول القاضي أبي يعلى : إن الظن منه محظور وهو سوء الظن بالله , والواجب حسن الظن بالله عز وجل , وكذلك سوء الظن بالمسلم الذي ظاهره العدالة محظور , وظن مأمور به كشهادة العدل , وتحري القبلة , وتقويم المتلفات , وأرش الجنايات , والظن المباح كمن شك في صلاته إن شاء عمل بظنه وإن شاء باليقين .

وروى أبو هريرة مرفوعا { إذا ظننتم فلا تحققوا } وهذا من الظن الذي يعرض في قلب الإنسان في أخيه فيما يوجب الريبة فلا ينبغي أن يحققه الظن المندوب إليه إحسان الظن بالأخ المسلم , فأما ما روي في حديث { احترسوا من الناس بسوء الظن } فالمراد الاحتراس بحفظ المال مثل أن يقول : إن تركت بابي مفتوحا خشيت السراق انتهى كلام القاضي .

ذكر البغوي أن المراد بالآية سوء الظن ثم ذكر قول سفيان , وذكر القرطبي ما ذكره المهدوي عن أكثر العلماء أن ظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز وإنه لا حرج بظن القبيح بمن ظاهره قبيح .

وقال ابن هبيرة الوزير الحنبلي : لا يحل والله أن يحسن الظن بمن ترفض ولا بمن يخالف الشرع في حال .

وقال البخاري في صحيحه ( باب ما يكون من الظن ) ثم روي عن [ ص: 46 ] عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا } وفي لفظ " ديننا الذي نحن عليه " قال الليث بن سعد : كانا رجلين من المنافقين .

وعن عبد الله بن عمرو الخزاعي عن أبيه قال . { دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد أن يبعثني بمال إلى أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح فقال لي التمس صاحبا فجاءني عمرو بن أمية الضمري فقال : بلغني أنك تريد الخروج إلى مكة وتلتمس صاحبا قلت أجل قال : فأنا لك صاحب قال فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : قد وجدت صاحبا فقال من ؟ قلت عمرو بن أمية الضمري فقال إذا هبطت بلاد قومه فاحذره فإنه قد قال القائل أخوك البكري ولا تأمنه قال : فخرجنا حتى إذا كنا بالأبواء قال : لي إني أريد حاجة إلى قومي بودان فتلبث لي قليلا قلت راشدا , فلما ولى ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فشددت على بعيري حتى خرجت أوضعه , حتى إذا كنت بالأصافر إذا هو يعارضني في رهط قال : فأوضعت فسبقته فلما رآني قد فته انصرفوا , وجاءني فقال : كانت لي إلى قومي حاجة قلت أجل قال : ومضينا حتى قدمنا مكة فدفعنا المال إلى أبي سفيان . } .

رواه أحمد وأبو داود وعبد الله بن عمرو وتفرد عنه عيسى بن معمر مع ضعف عيسى ورواه عن عيسى بن إسحاق بصيغة عن , وترجم أبو داود على هذا الخبر , وخبر أبي هريرة الذي في الصحيحين { لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين . }

باب ( في الحذر من الناس )

وقال أيضا في باب حسن الظن : ثم روي من رواية شتير ولم يرو عنه غير محمد بن واسع عن أبي هريرة قال نصر بن علي : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { حسن الظن حسن العبادة } وكذا رواه أحمد ثم روى أبو داود خبر صفية الذي في الصحيحين أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تزوره وهو معتكف وأن رجلين من الأنصار رأياهما فأسرعا فقال النبي : { على رسلكما إنها [ ص: 47 ] صفية بنت حيي فقالا سبحان الله يا رسول الله قال إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا أو قال شرا } .

قال ابن عبد البر في كتاب بهجة المجالس قال عمر بن الخطاب : رضي الله عنه لا يحل لامرئ مسلم يسمع من أخيه كلمة يظن بها سوءا وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجا . وقال أيضا : لا ينتفع بنفسه من لا ينتفع بظنه .

وقال أبو مسلم الخولاني : اتقوا ظن المؤمن فإن الله جعل الحق على لسانه وقلبه , وقد ذكرت في موضع آخر قوله : عليه السلام { اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله } رواه الترمذي , وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم { إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه } وسئل بعض العرب عن العقل فقال : الإصابة بالظنون ومعرفة ما لم يكن بما كان وقال علي بن أبي طالب : رضي الله عنه : لله در ابن عباس إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق .

قال الشاعر :

وأبغي صواب الظن أعلم أنه
  إذا طاش ظن المرء طاشت معاذره

وقال ابن عباس : الجبن والبخل والحرص غرائز سوء يجمعها كلها سوء الظن بالله عز وجل.

وقال الشاعر :

وإني بها في كل حال لواثق
ولكن سوء الظن من شدة الحب

وقال المتنبي :

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
  وصدق ما يعتاده من توهم

وقال أبو حازم : العقل التجارب . والحزم سوء الظن وقال الحسن البصري : لو كان الرجل يصيب ولا يخطئ ويحمد في كل ما يأتي داخله العجب . وقال عبد الله بن مسعود أفرس الناس كلهم فيما علمت ثلاثة : العزيز في قوله لامرأته حين تفرس في يوسف { أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا } وصاحبة موسى عليه السلام حين قالت [ ص: 48 ] { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } وأبو بكر الصديق رضي الله عنه حين تفرس في عمر رضي الله عنه واستخلفه . نظر إياس بن معاوية يوما وهو بواسط في الرحبة إلى آجرة فقال : تحت هذه الآجرة دابة , فنزعوا الآجرة فإذا تحتها حية منطوية , فسئل عن ذلك فقال إني رأيت ما بين الآجرتين نديا من بين الرحبة فعلمت أن تحتها شيئا يتنفس , ونظر إياس بن معاوية يوما إلى صدع في أرض فقال في هذا الصدع دابة , فنظر فإذا فيه دابة , فقال : الأرض لا تنصدع إلا عن دابة أو نبات . قال معن بن زائدة : ما رأيت قفا رجل قط إلا عرفت عقله . وقال وهب بن منبه خصلتان إذا كانتا في الغلام رجيت نجابته الرهبة , والحياء , ومر إياس بن معاوية ذات ليلة بماء فقال أسمع صوت كلب غريب قيل : له كيف عرفت ذلك ؟ قال : لخضوع صوته وشدة صياح غيره من الكلاب , قالوا فإذا كلب غريب مربوط والكلاب تنبحه . وقال عمرو بن العاص أنا للبديهة ومعاوية للإناءة , والمغيرة للمعضلات وزياد لصغار الأمور وكبارها . أراد يوسف بن عمر بن هبيرة أن يولي بكر بن عبد الله المزني القضاء فاستعفاه فأبى أن يعفيه فقال : أصلح الله الأمير ما أحسن القضاء قال كذبت قال : فإن كنت كاذبا فلا يحل لك أن تولي الكذابين . وإن كنت صادقا فلا يحل لك أن تولي من لا يحسن . وفي الصحيحين أو صحيح البخاري عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال { قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه أمر القعقاع . وقال عمر رضي الله عنه أمر الأقرع بن حابس . فقال أبو بكر ما أردت إلا خلافي , فقال ما أردت خلافك . فتماريا حتى ارتفعت [ ص: 49 ] أصواتهما فنزلت في ذلك { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } حتى انقضت فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه حتى يستفهمه } .

وروى الحاكم في تاريخه عن بشر بن الحارث يعني الحافي قال : صحبة الأشرار . أورثت سوء الظن بالأخيار . وروي أيضا عن أبي بكر بن عياش قال لا يعتد بعبادة المفلس فإنه إذا استغنى رجع .

سوء الظن بالناس :

يغلب على البعض من الناس اليوم خلق ذميم ربما ظنوه نوعاً من الفطنة وضرباً من النباهة وإنما هو غاية الشؤم بل قد يصل به الحال إلى أن يعيب على من لم يتصف بخلقه ويعده من السذاجة وما علم المسكين أن إحسان الظن بالآخرين مما دعا إليه ديننا الحنيفة فالشخص السيئ يظن بالناس السوء ، ويبحث عن عيوبهم ، ويراهم من حيث ما تخرج به نفسه أما المؤمن الصالح فإنه ينظر بعين صالحة ونفس طيبة للناس يبحث لهم عن الأعذار ، ويظن بهم الخير . قال تعالى : " وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتبِعُونَ إِلا الظن وَإِن الظن لَا يُغْنِي مِنَ الْحَق شَيْئا " ( سورة النجم : 28 ) وعليه فلا يجوز لإنسان أن يسيء الظن بالآخرين لمجرد التهمة أو التحليل لموقف ، فإن هذا عين الكذب " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " [ أخرجه البخاري ومسلم ، الترمذي 2072 ] وقد نهى الرب جلا وعلا عباده المؤمنين من إساءة الظن بإخوانهم قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) [ سورة الحجرات : 12 ] وروى الترمذي عن سفيان : الظن الذي يأثم به ما تكلم به ، فإن لم يتكلم لم يأثم . وذكر ابن الجوزي قول سفيان هذا عن المفسرين ثم قال : وذهب بعضهم إلى أنه يأثم بنفس الظن ولو لم ينطق به . وحكى القرطبي عن أكثر العلماء : أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز ، وأنه لا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبيح وحسن الظن راحة للفؤاد وطمأنينة للنفس وهكذا كان دأب السلف الصالح رضي الله عنهم : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا ، وأنت تجد لها في الخير محملا ً ". وقال ابن سيرين رحمه الله : " إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا ، فإن لم تجد فقل : لعل له عذرا لا أعرفه ". وانظر إلى الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده فقال للشافعي : قوى الله ضعفك ، قال الشافعي : لو قوى ضعفي لقتلني ، قال : والله ما أردت إلا الخير . فقال الإمام : أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير . فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير . وكان سعيد بن جبير يدعو ربه فيقول : " اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك ". وعن الفضيل بن عياض عن سليمان عن خيثمة قال قال عبدالله " والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظن بالله تعالى " [ كتاب حسن الظن بالله - الجزء 1 صفحة 96]. إن إحسان الظن بالناس يحتاج إلى كثير من مجاهدة النفس لحملها على ذلك خاصة وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ولا يكاد يفتر عن التفريق بين المؤمنين والتحريش بينهم وأعظم أسباب قطع الطريق على الشيطان هو إحسان الظن بالمسلمين . عن أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم (( حسن الظن من حسن العبادة )) [ رواه الحاكم وأبو داود وأحمد في مسنده ] اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك . رزقنا الله قلوبًا سليمة وأعاننا على إحسان الظن . بإخواننا والحمد لله رب العالمين .

دمتم سالمون وغانمون .

أسس وتجارب في التعامل مع الناس

   د. بدر عبد الحميد هميسه 
      موقع : صيد الفوائد                                                
                     

                             بسم الله الرحمن الرحيم

فن التعامل مع الناس فن لا يتقنه كل أحد ؛ بل يحتاج إلى مهارات خاصة قد يجبل عليها الإنسان أو يرثها, وقد يكتسبه ممن حوله , وقد يتعلمها من القراءة والمعرفة والمعايشة والتجربة .
ولقد اهتم ديننا الحنيف أيما اهتمام بالخلق الكريم وحسن التعامل مع جميع الناس , وأن يقابل المسلم السيئة بالحسنة ,قال تعالى : وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) سورة فصلت .
بل جعل الإسلام درجة حسن الخلق وطيب التعامل مع الناس مساوية لدرجة الصائم الذي لا يفتر والقائم الذي لا يفتر , عَنْ عَائِشَةَ ، رَحِمَهَا اللَّهُ ، قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ. أخرجه أحمد 6/64 و\"أبو داود\" 4798 , الألباني : صحيح الترغيب والترهيب 3/5.

وهذه الرسالة تتحدث عن بعض الأسس والتجارب في التعامل مع الناس وهذه الأسس هي :

أولاً : لا تتعامل مع الجانب المظلم في الناس :
ما من إنسان إلا وتتنازعه قوتان : قوة الخير وقوة الشر . فأيهما انتصر كانت طباع الإنسان عليه . فإذا انتصر الخير كان الإنسان مفيداً في مجتمعه نافعاً لذويه . وإذا انتصر الشر كان الإنسان مفسداً . فالناس على تقلب من أمرهم , يجتمع فيهم النور والظلمة , الحق والباطل , الجمال والقبح , وهذا الصراع هو سنة ربانية , وحكمة إلهية , وطبيعة بشرية , لأن الله لم يكتب العصمة للبشر؛ إلا للأنبياء والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام .
وهذا الصراع هو صراع أزلي لا ينتهي لأن الربح والخسارة تكون لأحد الطرفين مرات،ومرات أخرى للطرف الآخر.
قال الشاعر:
الخير في الناس مصنوع إذا جبروا * * * والشر في الناس لا يفنى وإن قبروا
والنفس البشرية ستبقى دائماً في هذا التنازع بين الخير والشر ، بين الفجور والتقوى , قال تعالى : \" وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا\"(7-8) سورة الشمس.
ومن الناس من هو مفتاح للخير ومنهم من هو مفتاح للشر , عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ ، مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ ، مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللَّهُ مَفَاتِيحَ الشَّرِّ عَلَى يَدَيْهِ.أخرجه ابن ماجة (237). الألباني \" السلسلة الصحيحة \" 3 / 320 .
قال أبو العتاهية :
الخير والشر عادات وأهواء * * * وقد يكون من الأحباب أعداء
للحكم شاهد صدق من تعمده * * * وللحليم عن العورات إغضاء
كل له سعيه والسعي مختلف * * * وكل نفس لها في سعيها شاء
فلا يوجد في الكون إنسان يكون خيراً محضاً , ولا إنسان يكون شرا محضاً خلا الأنبياء المعصومين عليهم السلام ,حتى أعتى أهل الأرض فجورا وعلوا واستكبارا كان يجتمع فيهم الخير والشر .
فها هو إن ابن آدم ( قابيل) حينما ارتكب أول جريمة قتل على ظهر الأرض وبعد أن قتل أخاه (هابيل )وعصى ربه وأباه تحركت بذرة الخير في قلبه فندم على فعلته واخذ يبحث عن مكان يواري فيه جثة أخيه . قال تعالى : \" فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) سورة المائدة.

وفرعون أشد الملوك تجبراً وعتواً وكفراً , فرعون الذي قال : { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (24) سورة النازعات.
فرعون رمز الضلال , قال تعالى : {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} (79) سورة طـه.
فرعون رمز العلو والاستكبار , قال تعالى : {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (4) سورة القصص.
قيل عنه : أنه كان فرعون بارا جداً بوالديه.
بل حينما تقرأ قصته مع موسى عليه السلام لا تجده شراً محضاً , بل تجد لديه بعض الرحمة والشفقة والإنصاف . فقد ترك قتل موسى على الرغم من شكه في أن هذا الطفل من الممكن أن يكون سبب هلاكه , قال تعالى : \" وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ\" (9) سورة القصص.
وتأمل كذلك حواره مع موسى حينما دعاه إلى الإيمان بالله تعالى وحده , فترك موسى يعبر عن رأيه ويناظره بكل حرية ويأتي بالأدلة التي تثبت صدق قوله , وكان بإمكانه أن لا يترك لك فرصة من هذه الفرص ويأمر بقتل مباشرة , كما يفعا بعض الحكام مع معاريضهم .
قال تعالى يحكي هذا الحوار الرائع الماتع : (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ * قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ* قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ *قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ* قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ *وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ لِلْمَلإٍ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ* يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ * فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ * فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ * فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ *قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ * سورة الشعراء 23-51.

وحتى أعدى أعداء الإسلام من عتاة الكفر والضلال كأبي لهب وأبي جهل والوليد بن المغيرة وغيرهم تجد في شخصيتهم بعض الخير والإنسانية , فكما جاء في الآثار من استبشار وفرح أبي لهب بمولد النبي صلى الله عليه وسلم برغم عداوته للإسلام بعد ذلك ,

وما ذكره ابن إسحاق من قصة أبي جهل مع الأراشي , قال : قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ إرَاشٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ إرَاشَةَ - بِإِبِلِ لَهُ مَكّةَ ، فَابْتَاعَهَا مِنْهُ أَبُو جَهْل ٍ فَمَطَلَهُ بِأَثْمَانِهَا . فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيّ حَتّى وَقَفَ عَلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ جَالِسٌ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، مَنْ رَجُلٌ يُؤَدّينِي عَلَى أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ ، فَإِنّي رَجُلٌ غَرِيبٌ ابْنُ سَبِيلٍ وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقّي ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُ أَهْلُ ذَلِك الْمَجْلِسِ أَتَرَى ذَلِك الرّجُلَ الْجَالِسَ - لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يَهْزَءُونَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي جَهْلٍ مِنْ الْعَدَاوَةِ - اذْهَبْ إلَيْهِ فَإِنّهُ يُؤَدّيك عَلَيْهِ . فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيّ حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللّهِ إنّ أَبَا الْحَكَمِ بْنَ هِشَامٍ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى حَقّ لِي قِبَلَهُ وَأَنَا رَجُلٌ غَرِيبٌ ابْنُ سَبِيلٍ وَقَدْ سَأَلْت هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ عَنْ رَجُلٍ يُؤَدّينِي عَلَيْهِ يَأْخُذُ لِي حَقّي مِنْهُ فَأَشَارُوا لِي إلَيْك ، فَخُذْ لِي حَقّي مِنْهُ يَرْحَمُك اللّهُ قَالَ انْطَلِقْ إلَيْهِ وَقَامَ مَعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَأَوْهُ قَامَ مَعَهُ قَالُوا لِرَجُلِ مِمّنْ مَعَهُمْ اتْبَعْهُ فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُ . قَالَ وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى جَاءَهُ فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ مُحَمّدٌ فَاخْرُجْ إلَيّ فَخَرَجَ إلَيْهِ وَمَا فِي وَجْهِهِ مِنْ رَائِحَةٍ قَدْ اُنْتُقِعَ لَوْنُهُ فَقَالَ أَعْطِ هَذَا الرّجُلَ حَقّهُ قَالَ نَعَمْ لَا تَبْرَحْ حَتّى أُعْطِيَهُ الّذِي لَهُ قَالَ فَدَخَلَ فَخَرَجَ إلَيْهِ بِحَقّهِ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ قَالَ: ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لِلْإِرَاشِيّ الْحَقْ بِشَأْنِك ، فَأَقْبَلَ الْإِرَاشِيّ حَتّى وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَالَ جَزَاهُ اللّهُ خَيْرًا ، فَقَدْ وَاَللّهِ أَخَذَ لِي حَقّي قَالَ وَجَاءَ الرّجُلُ الّذِي بَعَثُوا مَعَهُ فَقَالُوا : وَيْحَك مَاذَا رَأَيْت ؟ قَالَ عَجَبًا مِنْ الْعَجَبِ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ وَمَا مَعَهُ رُوحُهُ فَقَالَ لَهُ أَعْطِ هَذَا حَقّهُ فَقَالَ نَعَمْ لَا تَبْرَحْ حَتّى أُخْرِجَ إلَيْهِ حَقّهُ فَدَخَلَ فَخَرَجَ إلَيْهِ بِحَقّهِ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ . قَالَ ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ أَبُو جَهْلٍ أَنْ جَاءَ فَقَالُوا ( لَهُ ) وَيْلَك مَا لَك ؟ وَاَللّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَنَعْت قَطّ قَالَ وَيْحَكُمْ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ ضَرَبَ عَلَيّ بَابِي ، وَسَمِعْت صَوْتَهُ فَمُلِئَتْ رُعْبًا ، ثُمّ خَرَجْتُ إلَيْهِ وَإِنّ فَوْقَ رَأْسِهِ لَفَحْلًا مِنْ الْإِبِلِ مَا رَأَيْت مِثْلَ هَامَتِهِ وَلَا قَصَرَتِهِ وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطّ ، وَاَللّهِ لَوْ أَبَيْتُ لَأَكَلَنِي . انظر : ابن هشام : السيرة النبوية 1/389, البيهقي : دلائل النبوة 2/139, ابن كثير : البداية والنهاية 3/59 .

وما روي كذلك من إعجاب الوليد بن المغيرة وانبهاره بأي القرآن الكريم , وروي عن عثمان بن مظعون أنه قال لما نزل قوله تعالى : \" إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) سورة النحل ,قرأتها على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فتعجب فقال: يا آل غالب، اتبعوه تفلحوا، فوالله إن الله أرسله ليأمركم بمكارم الأخلاق. وفي حديث - إن أبا طالب لما قيل له: إن ابن أخيك زعم أن الله أنزل عليه {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان} الآية، قال: اتبعوا ابن أخي، فوالله إنه لا يأمر إلا بمحاسن الأخلاق. وقال عكرمة: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الوليد بن المغيرة {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان} إلى آخرها، فقال: يا ابن أخي أعد، فأعاد عليه فقال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أصله لمورق، وأعلاه لمثمر، وما هو بقول بشر . تفسير القرطبي 10/165, تفسير ابن كثير 4 / 466.
فهذا يؤكد أن النفس البشرية فيها مادتان : خير وشر , كفر وإيمان فأيهما غلب كانت له الغلبة .

وقد ذكر لنا الرسول صلى الله عليه وسلم قصة الرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفساً لكن بذرة الخير تحركت في نفسه , فذهب إلى احد الرهبان وعرض عليه أمر التوبة فلم يلتفت هذا الراهب إلا إلى بذرة الشر في نفس الرجل فقتله وأكمل به المائة , ثم بحث عن رجل عالم فقيه فحرك بذرة الخير فيه وتعامل معها بحكمة فكان سببا لتوبة الله عليه ,فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: \" كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا فَهَلْ لَهُ مِنَ تَوْبَةٍ فَقَالَ لاَ. فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ فَقَالَ نَعَمْ وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ الْمَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ فَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلاً بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ. وَقَالَتْ مَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِىٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ التي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ.قَالَ قَتَادَةُ فَقَالَ الْحَسَنُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لَمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ\".رواه البخاري (5378، 5420، 6175)، ومسلم (220) عن ابن عباس.

فالعاقل يختار الجانب المضيء في الناس ويتعامل معهم من خلاله ولا يختار الجانب المظلم فيهم .
وهذا ما فعله النبي – صلى الله عليه وسلم – مع خالد بن الوليد رضي الله عنه والذي كان شديداً على المسلمين ودليله ما فعله في أُحد ضد المسلمين . لكن حينما أسلم أخوه الوليد بن الوليد، ودخل الرسول-صلى الله عليه وسلم –مكة في عمرة القضاء فسأل الوليد عن أخيه خالد،فقال: (أين خالد ؟)...فقال الوليد: (يأتي به الله. فقال النبي:- صلى الله عليه وسلم-: (ما مثله يجهل الإسلام،ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيراً له،ولقدمناه على غيره)...فخرج الوليد يبحث عن أخيه فلم يجده،فترك له رسالة قال فيها : (بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد...فأنى لم أرى أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك عقلك،ومثل الإسلام يجهله أحد؟!...وقد سألني عنك رسول الله،فقال أين خالد-وذكر قول النبي-صلى الله عليه وسلم-فيه-ثم قال له:فستدرك يا أخي ما فاتك فيه،فاتتك مواطن صالحة).وقد كان خالد –رضي الله عنه-يفكر في الإسلام، فلما قرأ رسالة سر بها سرورا كبيراً،وأعجبه مقاله النبي-صلى الله عليه وسلم-فيه،فتشجع وأسلم\" ( برهان الدين الحلبي:لسيرة الحلبية في سيرة الأمين المأمون 2/777).

وفي فتح مكة قال الْعَبّاسُ : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبّ الْفَخْرَ فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا قَالَ نَعَم مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَهُوَ آمِنٌ\" . ابن قيم الجوزية: زاد المعاد في هَدْي خير العباد 3/347 .

ومن هنا فقد شرع الإسلام سهما في الزكاة للمؤلفة قلوبهم , وهم قوم كانوا يُتَألَّفون على الإسلام، ممن لم تصحّ نصرته، استصلاحًا به نفسَه وعشيرتَه وقال ابن كثير : وأما المؤلفة قلوبهم: فأقسام: منهم من يعطى ليُسلم، كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية من غنائم حنين، وقد كان شهدها مشركا. قال: فلم يزل يعطيني حتى صار أحبَّ الناس إليَّ بعد أن كان أبغض الناس إلي. (تفسير الطبري 14/312 , تفسير ابن كثير 4/167) .
أذكر حينما كنت بالخارج وكان ( بالعمارة ) التي كنت أسكن فيها حارس اشتهر عنه الفظاظة وسوء التعامل مع سكان ( العمارة ) والتعالي عليهم وكأنه صاحب ذلك المِلك, حتى أن كثيرا منهم ترك العمارة بسببه , لككني بحمد الله تعالى جاورت في ذلك المسكن لمدة ثماني سنوات , فكان يقول لسكان : أنا لا أحب إلا فلان فقد – يقصدني – فيتعجبون ويسألونني عن ذلك , ويقولون ماذا تفعل مع هذا الرجل ؟. فأقول لهم : الأمر أيسر مما تصورون لا شيء إلا أنني أحاول أن أتعامل مع الجانب المضيء فيه , وأشياء ميسورة جدا , يعني مثلا أنتم تمرون عليه كل يوم مرات ولا سلام ولا كلام , لكني كلما مررت عليه ألقيت عليه السلام وبششت وهششت في وجه , وهذا ما تعلمناه من الإسلام , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ، أَوَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ ؟ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ. أخرجه و\"أحمد\" 2/391(9073) و\"مسلم\" 104.
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَقشُوا السَّلاَمَ تَسْلَمُوا ، وَالأَشَرَةُ شَرٌّ.
قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ : وَالأَشَرُ الْعَبَثُ.أخرجه أحمد 4/286(18729) و\"البُخَارِي\" ، في (الأدب المفرد) 477.
كما أنني أصافحه وأسأله عن أحواله وأحوال أولاده , وأطلب منه أن يزورني ليشرب الشاي معه , وكلها أشياء بسيطة لم تكلفني شيئا ,فالبر شيء هين : وجه بشوش ولسان لين .

ثانياً : اقبل الناس على ما هم عليه :

لا تتطلب المثالية في اختيار الناس , وفي اختيار أسلوب التعامل معهم , فلذلك مما سوف يتعبك كثيرا في حياتك , بل اقبل الناس على ما هم فيه من خير وشر , وجمال وقبح , قال تعالى : \" وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) سورة الأنفال .
وقال : \" وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) سورة يوسف .
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ ائْذَنُواْ لَهُ فَبِئْسَ ابْنُ العَشِيرَةِ أَوْ بِئْسَ أَخُو العَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ أَلانَ لَهُ الكَلامَ فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ قُلْتَ مَا قُلْتَ ثمَّ أَلَنْتَ لَهُ في القَوْلِ فَقَالَ أَيْ عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ \"0أخرجه البخاري ( 4 /125 - 126،142 ) ومسلم (8 /21) وأبو داود (4791 ) والترمذي ( 1 / 360 ) و أحمد ( 6 / 38 ).
عَنْ عَلِيٍّ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : أَحِبَّ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا ، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا. هَذَا حَدِيثٌ مَوْقُوفٌ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ .البوصيري : اتحاف الخيرة المهرة 6/106.
قال بشار بن برد :
إِذَا كُنْتَ فِي كُلِّ الْأُمُورِ مُعَاتِبًا * * * صَدِيقَكَ لَمْ تَلْقَ الَّذِي لَا تُعَاتِبُهْ
فَعِشْ وَاحِدًا أَوْ صِلْ أَخَاكَ فَإِنَّهُ * * * مُقَارِفُ ذَنْبٍ مَرَّةً وَمُجَانِبُهْ
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَشْرَبَ مِرَارًا عَلَى الْقَذَى * * * ظَمِئْتَ وَأَيُّ النَّاسِ تَصْفُو مَشَارِبُهْ
أنشد ثعلب:
أُغمِّضُ عَيني عَن صَديقي تَجَسُّماً * * * كَأَنّي بِما يَأتي مِن الأَمرِ جاهِلُ
وَما بِيَ جَهلٌ غَيرَ أَنَّ خَليقَتي * * * تُطيقُ اِحتمالُ الكُرهِ فيما تُحاوِلُ
وليس معنى قبول الناس على ما هم عليه عدم النصح لهم , أو محاولة التغيير من سلوكياتهم وأخلاقهم , فذلك مما يتعارض مع تعاليم الإسلام الذي يدعو إلى الايجابية وعدم الإمعية في التعامل مع الخلق , عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً ، تَقُولُونَ : إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا ، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا ، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكْمْ ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا ، وَإِنْ أَسَاؤُوا فَلاَ تَظْلِمُوا. أخرجه التِّرْمِذِي (2007) الألباني : ضعيف الجامع الصغير ( 6271 ) .
بل إن قبول الناس على ما هم عليه يعني التعامل بواقعية مع ضعفهم وأخطاءهم , وتوقع الهفوات والزلات منهم .

شكا لي أحد الأصدقاء من صديق له هوايته المبالغة في الكلام , وتضخيم الأمور ووضعها في غير موضعها , حتى أنه وصف لي كلامه وصفا ظريفا فقال : ( إن نصف حديثه إسرائيليات والنصف الآخر أحاديث موضوعة ) قلت له : وماذا عن أخلاقياته ؟ . قال : رجل بمعنى الكلمة كلما احتاجه أجده بجانبي , وأمين لا يخون , قلت : جميل , إذن فاقبله على ما هو عليه وحاول أن تغير مما تراه لا يصلح للصداقة الخالصة الصادقة .

ثالثاً : عليك باليأس مما في أيدي الناس :

بعض الناس يضع آماله وطموحاته كلها على الناس , ويراقبهم أكثر مما يراقب ربه تعالى , وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم : \" وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ .. (37) سورة الأحزاب .
فالراحة كل الراحة في عدم الطمع مما في أيدي الناس , وأن لا يراقبهم بل ويستوي عنده المادح والذام , عَنْ إِسْمَاعِيلَ الأَنْصَارِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَوْصِنِي وَأَوْجِزْ ، فَقَالَ : عَلَيْكَ بِالْيَأْسِ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، وَإِيَّاكَ وَالطَّمَعَ فَإِنَّهُ فَقْرٌ حَاضِرٌ ، وَصَلِّ صَلَوَاتِكَ وَأَنْتَ مُوَدِّعٌ وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ .[كنز العمال 8852 ] أخرجه: ابن أبى عاصم فى الآحاد والمثانى (4/246 ، رقم 2249) .
وعَنْ ثَوْبَانَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: : مَنْ يَضْمَنُ لِي وَاحِدَةً ، وَأَضْمَنُ لَهُ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : لاَ تَسْأَلِ النَّاسَ شَيْئًا.
فَكَانَ ثَوْبَانُ يَقَعُ سَوْطُهُ ، وَهُوَ رَاكِبٌ ، فَلاَ يَقُولُ لأَحَدٍ نَاوِلْنِيهِ ، حَتَّى يَنْزِلَ فَيَتَنَاوَلَهُ. أخرجه أحمد 5/277(22744) و\"ابن ماجة\" 1837 و\"النَّسائي\" 5/96 ، وفي \"الكبرى\" 2382 ( صحيح ) انظر حديث رقم : 7307 في صحيح الجامع .
فالأرزاق مقدرة والآجال مقدرة والناس لا تملك لك غنى ولا فقرا ولا حياة ولا موتا , عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليس من عمل يقرب إلى الجنة إلا قد أمرتكم به ولا عمل يقرب إلى النار إلا قد نهيتكم عنه لا يستبطئن أحد منكم رزقه أن جبريل عليه السلام ألقى في روعي أن أحدا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه فاتقوا الله أيها الناس واجملوا في الطلب فإن استبطأ أحد منكم رزقه فلا يطلبه بمعصية الله فإن الله لا ينال فضله بمعصية ( الحاكم في مستدركه ج 2/ ص 5 حديث رقم: 2136 وهو صحيح).
قال الشاعر :
لا تَخْضَعَنَّ لِمَخْلُوقٍ عَلَى طَمَعٍ * * * فَإِنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ مِنْك فِي الدِّينِ
وَاسْتَرْزِقْ اللَّهَ مِمَّا فِي خَزَائِنِهِ * * * فَإِنَّمَا هُوَ بَيْنَ الْكَافِ وَالنُّونِ
قال شقيق بن إبراهيم البلخي قال لي إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى أخبرني عما أنت عليه قلت إن رزقت أكلت وإن منعت صبرت قال هكذا تعمل كلاب بلخ فقلت كيف تعمل أنت قال أن رزقت آثرت وان منعت شكرت.
أيا مالك لا تسأل الناس والتمس * * * بكفيك فضل الله فالله أوسع
ولو تسأل الناس التراب لأوشكوا * * * إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا
ومن راقب الناس مات كمدا ورضا الناس غاية لا تدرك , فلا تضيع وقتك في تتبع كلام الناس عنك ومن مدحك ومن ذمك .

كنت في بداية حياتي في الخطابة حينما أنتهي من خطبة الجمعة أو إلقاء محاضرة ما أهتم كثيرا بما يقولونه الناس عن الخطبة أو المحاضرة , وأسعد كثيرا بالثناء وأحزن كثيرا للنقد والملاحظات , ولكن مع مرور الأيام واكتساب الخبرات وجدت أن هذا الأمر يسبب لي كثيرا من الإزعاج , وأن ثناء الناس قد يكون من باب المجاملة وفقط وأن نقدهم قد تكون له أسباب أخرى غير النقد والتصحيح , ثم صار الأمر عندي على السواء .

رابعاً : التمس لأخيك سبعين عذراً :

بعض الناس لا يشغله إلا تتبع سقطات الناس وإساءة الظن بهم , وسوء الظن بالناس نهانا عنه الدين الحنيف , قال تعالى : \" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ\" (12) سورة الحجرات .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ:إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلاَ تَحَسَّسُوا ، وَلاَ تَجَسَّسُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا.
- وفي رواية : إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَنَافَسُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا. أخرجه عَبْد الرَّزَّاق (20228) . وأحمد 2/312(8103) و\"البُخاري\" 6064 .

وقد طبق رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عمليا مع أصحابه في قصة حاطب بن أبي بلتعه , فعَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِى رَافِعٍ ، وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيٍّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيًّا ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَهُوَ يَقُولُ:بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا ، وَالزُّبَيْرَ ، وَالْمِقْدَادَ ، فَقَالَ : ائْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً ، مَعَهَا كِتَابٌ ، فَخُذُوهُ مِنْهَا ، فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا ، فَإِذَا نَحْنُ بِالْمَرْأَةِ ، فَقُلْنَا : أَخْرِجِي الْكِتَابَ ، فَقَالَتْ : مَا مَعِي كِتَابٌ ، فَقُلْنَا : لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ ، أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا ، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَإِذَا فِيهِ : مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبي بَلْتَعَةَ ، إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يَا حَاطِبُ ، مَا هَذَا ؟ قَالَ : لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي كُنْتُ امْرَءًا مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ - قَالَ سُفْيَانُ : كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا - وَكَانَ مِمَّنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ ، أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي ، وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْرًا ، وَلاَ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي ، وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : صَدَقَ ، فَقَالَ عُمَرُ : دَعْنِي يَا رَسُولَ اللهِ ، أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ ، فَقَالَ : إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، وَمَا يُدْرِيكَ ، لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ ، فَقَالَ : اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ .أخرجه أحمد 1/79(600. والبُخَارِي 4/72(3007) و\"مسلم\" 7/167 (6485) و\"أبو داود\" 2650 و\"التِّرمِذي\" 3305 .
فقد أخطأ حاطب بن أبي بلتعة في ظنه إعلام قومه بخبر قدوم النبي إليهم لفتح مكة ، وهو خطأ لا يقصد منه صاحبه خيانة الله ورسوله , لكن انظر كيف تعامل النبي عليه الصلاة والسلام مع هذا الخطأ الغير مقصود ، فلم يجرح صاحبه ، بل ولم يعنفه , بل والتمس له العذر , وفي ذلك نزل قوله تعالى : {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(10) . سورة المجادلة (22)وانظر:( تفسير الطبري 23/311) .

يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: \"لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً \".
وقال ابن سيرين رحمه الله: \" إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا ، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه \".
وقال : حَمْدُونَ الْقَصَّارَ، يَقُولُ: \" إِذَا زَلَّ أَخٌ مِنْ إِخْوَانِكُمْ، فَاطْلُبُوا لَهُ سَبْعِينَ عُذْرًا، فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْهُ قُلُوبُكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ الْمَعِيبَ أَنْفُسُكُمْ حَيْثُ ظَهَرَ لِمُسْلِمٍ سَبْعُونَ عُذْرًا، فَلَمْ يَقْبَلْهُ \". شعب الإيمان للبيهقي 13 / 504.
قال الشاعر :
تأن ولا تعجل بلومك صاحبًا * * * لعل له عذرًا وأنت تلوم
وفال القاسمي : «يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَنْبِطَ لِزَلَّةِ أَخِيكَ سَبْعِينَ عُذْرًا ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ قَلْبُكَ فَرُدَّ اللَّوْمَ عَلَى نَفْسِكَ فَتَقُولُ لِقَلْبِكَ : مَا أَقْسَاكَ يَعْتَذِرُ إِلَيْكَ أَخُوكَ سَبْعِينَ عُذْرًا فَلَا تَقْبَلُهُ فَأَنْتَ الْمَعِيبُ لَا أَخُوكَ» وَقَالَ «الْأَحْنَفُ» : «حَقُّ الصَّدِيقِ أَنْ تَحْتَمِلَ مِنْهُ ثَلَاثًا : ظُلْمُ الْغَضَبِ وَظُلْمُ الدَّالَّةِ وَظُلْمُ الْهَفْوَةِ».انظر : موعظة المؤمنين 1/163.

وها هو الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: قوى لله ضعفك، قال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني ، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير.
من كان يرجو أن يسود عشيرة * * * فعليه بالتقوى ولين الجانب
ويغض طرفا عن إساءة من أساء * * * ويحلم عند جهل الصاحب
مر أبو الدرداء رضي الله عنه على رجل قد أصاب ذنبا والناس يسبونه، فلم يعجبه ما رأى من صنيعهم، وأراد أن يضيف إليهم من خبرته العميقة في الدعوة، قاعدة لم يبد له أنهم يعرفونها فقال لهم:((لو وجدتموه في قليب، ألم تكونوا مستخرجيه؟قالوا: بلى.قال: فلا تسبوا أخاكم، واحمدوا الله الذي عافاكم. فقالوا: أفلا نبغضه؟فقال: إنما أبغض عمله، فإذا تركه، فهو أخي)).
قال الشاعر :
سامح أخاك إذا خلط * * * منه الإصابة بالغـــلط
و تجافَ عن تعنيفه * * * إن زاغ يوماً أو قســــط
و اعلم بأنك إن طلبت * * * مهذباً رمت الشطـــط
من الذي ما ساء قط * * * ومن له الحسنى فقط
وقد حكي عن الأحنف ابن قيس أنه قال: ما عاداني أحد قط إلا أخذت في أمره ثلاث خصال:
إن كان أعلى مني عرفتُ له قدره , وإن كان دوني رفعتُ قدري عنه , وإن كان نظيري تفضلت عليه. فالتمس الأعذار للناس حتى يلتمسون لك الأعذار .

أعرف أحد الناس كثيرا ما يسيء الظن بالناس , ولا يثق في أي شخص , وتحول الأمر عنده إلى وسواس ومرض , حتى أفسد عليه ذلك المرض حياته فهجره أصدقاؤه وأقاربه , وصار عاقا لوالديه , وانتهى به الأمر إلى الانفصال عن زوجته وهدم حياته وتشرد أولاده , وكل ذلك بسبب سوء الظن وعدم التماس الأعذار للناس .

خامساً : لا تجعل الناس في سلة واحدة :

بعض الناس لا يحكم على الناس إلا من خلال المظاهر فقط , وينسى قول الله تعالى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم } [ الحجرات : 13 ] .
فهو يضع الناس جميعاً في سلة واحدة , ويتعامل معهم من منطلق واحد , ومن مفهوم لا يتغير , وينسى أن من الناس من هو سهل ومنهم من هو صعب , وأن فيهم العالم وفيهم الجاهل , وفيهم الحكيم وفيهم المتهور , وهذا ما أكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله , مما روي عَنْ أَبي مُوسَى الأَشْعَريِّ رضي الله عنه قال : قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: إِنِّ الله تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ ، فَجَاءَ مِنْهُمُ الأَحْمَرُ، وَالأَبْيَضُ ، وَالأَسْوَدُ ، وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَالسَّهْلُ ، وَالْحَزْنُ ، وَالْخَبِيثُ ، وَالْطَّيِّبُ. أخرجه أحمد 4/40، وأبو داود 4693 والترمذي 2955. سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم الحديث 1630
ولقد تمثل بعض الشعراء هذا المعنى, فقال:
الناس كالأرض ومنها هُُمُ *** فمن خَشنِ الطبع ومن ليِّنِ
فجنـدلٌ تدمـى بـه أرجـلٌ *** وإثـمدٌ يـُوضـع في الأعـينِ
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ \" إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ. أخرجه أحمد 2/484(7814) و\"مسلم\" 8/11 و\"ابن ماجة\" 4143 .
بل وطبق صلى الله عليه وسلم ذلك عملياً , فعن أَبِى حَازِمٍ , عن سهل بن سعد الساعدي , قَالَ:مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم رجل. فَقَالَ النبي : مَا تَقُولُونَ في هَذَا ؟ قَالُوا : رأيك في هذا.نقول : هذا من أشرف الناس , هذا حَرِيٌّ , إِنْ خَطَبَ , أَنْ يخطب ، وَإِنْ شَفَعَ , أَنْ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ : أَنْ يُسْمَعَ لقوله , فسَكَتَ النبي صلى الله عليه وسلم , وَمَرَّ رَجُلٌ آخر , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مَا تَقُولُونَ في هَذَا ؟ قَالُوا : نقول : والله يا رسول الله , هذا من فقراء المسلمين , هذا حَرِيٌّ , إِنْ خَطَبَ , لمَ يُنْكَحَ , وَإِنْ شَفَعَ , لاَ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ , أَنْ لاَ يُسْمَعَ لقوله , فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم : لهَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا. أخرجه البخاري 7/9(5091) و\"ابن ماجة\" 4120 .
وعنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لأَبَرَّهُ. أخرجه مسلم 8/36 و154.
وروى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : \"بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعوه وأريقوا على بوله سجلا ( دلوا ) من ماء ، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين \". أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بترك هذا الأعرابي الجاهل حتى ينتهي من بوله ، فلما انتهي أمر أن يراق على بوله ذنوبا من ماء فزالت المفسدة . ثم دعا الرسول صلى الله عليه وسلم ، الأعرابي فقال : \"إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر إنما هي للصلاة وقراءة القرآن \" . رواه البخاري 1/65(221) .

فالحكم على الناس لا يكون من خلال المظهر فقط بل لا بد من المعايشة والتجربة , جاء رجل يشهد لرجل بالصلاح عند أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه فقال له: أأنت جاره الأدنى الذي يعرف مدخله ومخرجه؟ قال: لا، قال: أسافرت معه في سفر طويل يسفر عن أخلاق الرجال؟، قال: لا، قال: أعاملته بالدينار وبالدرهم ـ الذي به يظهر ورع المرء من شرهه ـ؟ قال: لا، قال: لعلك رأيته في المسجد يمسك بالمصحف، يقرأ القرآن، يرفع رأسه تارة ويخفضها تارة؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: اذهب فلست تعرفه، وقال للرجل: ائتني بمن يعرفه.إحياء علوم الدين 2/83.
قال الشاعر :
لا يغرنك من المرء قميص رقعه * * * أو إزارا فوق كعب الساق منه رفعه
أو جبين لاح فيه أثر قد قلعه * * * ولدى الدرهم فانظر غيه أو ورعه
كما أن مخاطبة الناس لا تكون بأسلوب واحد لا يتغير حسب الزمان والمكان والأشخاص , بل لا بد أن يراعى المقال مقتضى الحال , قال علي رضي الله عنه \" حدثوا الناس بما يعرفون ، أتريدون أن يكذب الله ورسوله ؟! . أخرجه البخاري (127) .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : \"إنك لن تحدث قوماً بحدث لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة\". رواه مسلم في (( مقدمة الصحيح )) (1/11).

كنت – أيضاً – في بداية حياتي الخطابية لم أتعلم بعد التنوع في أسلوب الخطابة , فكنت أحيانا أذهب إلى بعض قرى الريف فأحاول أن يكون كل حديثي باللغة الفصحى التي أعشقها وأعتز بحبها والانتساب إليها , وكنت أجد الاستغراب من الناس أو عدم الفهم لكل ما أقول , حتى تعودت بعد ذلك من خلال التجربة أن تكون لكل فئة أسلوبها , وأن يكون لكل مقام مقال ؛ فالمسجد الذي غالب أهله من القرويين البسطاء , يختلف الأسلوب فيه عن المسجد الذي به نسبة من القرويين ونسبة من المتعلمين , عن المسجد الذي تكون الغالبية فيه من المتعلمين , وأسلوب الخطبة غير أسلوب الدرس غير أسلوب المحاضرة .
وكل ذلك من قبيل حسن التعامل مع الناس والتواصل معهم , فالإحسان إلى الناس وحسن التعامل معهم فن يحتاج إلى دربة ودراسة واكتساب الخبرات من الحياة , ومن خلال المواقف الصعبة قبل السهلة .
قال أبو الفتح البستي :
أحسِنْ إلـى النّـاسِ تَستَعبِدْ قُلوبَهُمُ * * * فطالَمـا استعبدَ الإنسـانَ إحسانُ
مَنْ يزرع الشَّرَ يَحْصُدْ في عَواقِبه * * * وعاشَ وهْو قَرِير العينِ جَذْلاَنُ
مَنْ اسْتَنَامَ إلى الأشْرارِ نَامَ وفي * * * نَدامةً، ولِحَصْدِ الزَّرْعِ إبَّانُ
أحْسِنْ إذا كان إمكانٌ ومقدرةٌ * * * رِدَائِه مِنْهُمُ صِلّ وثُعبانُ
فالروض يزدان بالأنوار فاغمه * * * فلن يدوم على الإحسان إمكان
وأخيرا .. فإن كسب قلوب الناس مهمة ليست باليسيرة إلا لمن يسرها الله تعالى له ؛ ولذا علينا أن نلح على الله بالدعاء ليفتح قلوبنا وقلوبهم للحق ويجعلنا وإياهم أنصارًا لدينه وحملة دعوته. ومع هذا الدعاء لا بد من الأخذ بالأسباب التي توصلنا بإذن الله إلى كسب القلوب الشاردة وتأليف الصدور المتنافرة , وكل ذلك يتطلب منك تحديد الهدف والتحقق من الوسيلة , وأن يكون عملنا كله خالصا لوجه الكريم فالإخلاص طريق القبول , وصدق الغاية سر الوصول .

الجمعة، ديسمبر 16، 2011

رسائل هامة وتأملات فى سورة الكهف

سورة الكهف وهي السورة رقم (18) في ترتيب المصحف الشريف ، وقد جاء بسورة الكهف عدد 4 قصص وهي :



1. قصة أهل الكهف .


2. قصة الرجلين .


3. قصة موسى والعبد .


4. قصة ذو القرنين .


ومن العجيب أن قصة أهل الكهف وهي القصة الأولى جاءت في عدد (18) آية قرآنية حصرا وذلك في قوله تعالى ابتداء من الآية (9) وحتى الآية (26) من سورة الكهف :



(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً {9}


إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً {10}


فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً {11}


ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً {12}


نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى {13}


وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهاً لَقَدْ قُلْنَا إِذاً شَطَطاً {14}


هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً {15}‏


وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً {16}


وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً {17}


وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً {18}


وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً {19}


إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً {20}‏


وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَاناً رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِداً {21}


سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً {22}


وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً {23}


إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً {24}


وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً {25}


قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً {26}) الكهف .



عدد أهل الكهف والإعجاز الرياضي :


أما عن عدد أهل الكهف والذي جاء فيه قول ربنا سبحانه وتعالى في الآية (22) من سورة الكهف قوله تعالى : (سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِراً وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَداً) .


وقد جاء بالآية الكريمة عدد (3) إحتمالات في عدد أهل الكهف . . . وهي :



أن عددهم (3) ورابعهم كلبهم .


أن عددهم (5) وسادسهم كلبهم .


أن عددهم (7) وثامنهم كلبهم .



ونلاحظ في هذه الآية الكريمة . . الإعجاز الرياضي التالي :



الأعداد التي جاءت في الآية الكريمة هي (3) ، (4) ، (5) ، (6) ، ( 7) ، (8) . . . ومجموعها = (33) .


عدد كلمات الآية الكريمة يساوي (33) كلمة أيضاً.


أي أن مجموع الأرقام التي وردت في الآية الكريمة يساوي عدد كلمات الآية الكريمة . أي أن كل كلمة تساوي واحد . . . وهذا ما سوف نستخدمه فيما بعد .


ولكن عدد أهل الكهف كيف يمكن استنتاجه من الآية :



عدد اهل الكهف هو العدد الأخير الذي ذكره الله تعالى في الآية (22) (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ٌ) أي أن عددهم = 7 .


وبالتالي يكون كلبهم هو ثامنهم (8) .


وتبدأ قصة أهل الكهف من الآية رقم (9) .


أي ان عدد أهل الكهف (7) وكلبهم (8) .


وأول آيات القصة {الآية (9)} و عدد كلماتها = (10) كلمات . . . .


الفرق بين ترتيب الآية في القصة وترتيبها في السورة ابتداء من (1) (9) إلى (18) (26) = (8) وهو إشارة إلى صحة الاحتمال الثالث أن عدده (7) وثامنهم كلبهم والله أعلم

.

مدة ما لبث أهل الكهف والإعجاز الرياضي :


يقول تعالى في الآية (25) من سورة الكهف : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا)ً .


وكما سبق أن أوضحنا في عمر نوح عليه السلام . . . إليك عزيزي المتابع الآتي :


1. هناك في اللغة "سنة" . . . و"عام" ولا يمكن أن يكون المراد بهما شيء واحد . . . فبالطبع هما شيئين مختلفين .


2. وقلنا أن السنة المقصود بها السنة الميلادية في التاريخ الإفرنجي والسنة هي طول المدة التي تستغرقها الأرض لتقطع دورة كاملة في مدارها حول الشمس وتستغرقها في 365.25 يوما .


ولذلك هناك في السنين الميلادية نوعان :


أ - سنة بسيطة : وهي السنة التي طولها 365 يوما .


ب - سنة كبيسة : وهي السنة التي طولها 366 يوما .


والسنة البسيطة تأتي لمدة ثلاث سنوات متتالية ثم تأتي السنة الرابعة السنة الكبيسة وذلك نتيجة تجميع 0.25 يوم الفرق كل 4 سنوات لتعطي يوما كاملا لتصبح السنة الكبيسة (366 يوما) .


4. أما العام فهو العام الهجري في التاريخ العربي وهو طول المدة التي يقطع فيها القمر (12) دورة شهرية حول الأرض ، وطول العام 354.367 يوما .


5. وبالتالي يكون الفرق بين السنة والعام 10.89 يوما والعامة يقولون أن الفرق بين السنة والعام = 11 يوما تقريبا .


6. وبفرض أن الفرق بينهما = 11 يوما إذن كل 30 سنة يكون الفارق = 11 × 30 = 330 يوما .


7. وبالتالي يكون الفارق كل 32 سنة = 330 + (2 × 11) = 352 يوما .


8. أي انه طول 32 عاما لا يكتمل فارق =354 يوما (طول العام الهجري) .


9. وبالتالي فإنه فقط يكتمل عام كامل بين التاريخ الميلادي والتاريخ الهجري كل 33 سنة .


10. إذن يكتمل 3 أعوام كل 100 سنة .


11. إذن يكتمل 9 أعوام كل 300 سنة .


12. وهذا هو نص الآية الكريمة : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا)ً .


13. أي أنهم لبثوا 300 سنة ميلادية . . وهذه المدة تعطي (9) أعوام هجرية زيادة وبالتالي يكون مدة ما لبث أهل الكهف في الكهف = 300 + 9 = 309 عاما قمريا .


الإعجاز الرياضي :


1. كما قلنا أن قصة أهل الكهف تبدأ في سورة الكهف في الآية (9) في قوله تعالى : (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً {9} .


2. وأن مدة ما لبث أهل الكهف جاءت في الآية (25) في قوله تعالى : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً {25} .


3. والآن . . إذا بدأنا نعد عدد كلمات قصة أهل الكهف في سورة الكهف ابتداء من الآية رقم (9) . . . فإن كلمة "أم" تكون الكلمة رقم (1) وكلمة "حسبت" تكون الكلمة رقم (2) . . وكلمة "أن" تكون الكلمة رقم (3) . . وهكذا حتى نهاية الآية الأولى نجد أن كلمة "عجبا" هي الكلمة رقم (10) كما هو واضح في نص الآيات أعلاه . . . وهكذا حتى أول الآية رقم (25) .


4. في الآية رقم (25) نجد أن كلمة "ولبثوا" تكون هي الكلمة رقم (306) وأن كلمة "في" تكون هي الكلمة رقم (307) . . وأن كلمة "كهفهم" تكون هي الكلمة رقم (308) . . .


5. وبالطبع سوف تكون كلمة "ثلاث" هي الكلمة رقم (309) .


6. وبالطبع فإن الرقم (309) لا يمكن وصفه في كلمة عربية واحدة . . ولكن يوصف في عبارة "ثلاث مائة وتسعة" وقد وصفه الله تعالى بقوله : (ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعا) كما تم شرحه سابقا .


7. هذا الرقم (309) بالطبع الكمية الأكبر فيه هي (300) وليست (9) .


8. وبالطبع فإن الرقم (300) يوصف بأنه "ثلاث مائة" ولا يمكن وصفه بأنه (ثلثمائة) لأن ذلك يعني (1/3) مائة وليس ثلاث مائة .


9. والكمية الأكبر في ثلاث مائة هي "الثلاث" وليس "المائة" لأن الثلاث هي 300 وليست مائة واحدة .


10. إذن الكلمة الوحيدة في قوله تعالى التي تفيد المدة التي لبثوها (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) هي كلمة "ثلاث" .


11. وإذا حسبنا أن كل كلمة في قصة أهل الكهف تساوي عام (كما إتضح لنا سابقا تحت العنوان أعلاه {عدد أهل الكهف والإعجاز الرياضي}) . . فإن عدد الكلمات حتى كلمة "ثلاث" في الآية (25) = 309 . . وهو إشارة إلى المدة التي لبثوها والتي تساوي 309 عاما وهذا هو ما أراد الله سبحانه وتعالى أن يخبر عنه وليس أن يخبر أنهم لبثوا 300 سنة . . لأنه لو كان الأمر كذلك لاكتفى سبحانه وتعالى بقوله (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ) فقط .


المصدر: سلسلة (موسوعة معجزة القرآن الكريم الرياضية)



منقوووووووول

 
دمتم سالمين فى رعاية الله