السبت، سبتمبر 12، 2009

الدعاء على الكفار من على منابر المساجد... لماذا لا يجوز

اعتاد الكثير من ائمة المساجد والخطباء فى كافة انحاء العالم الاسلامى ، بل وايضا فى مساجد موجودة فى دول غير اسلامية ، كاليابان والصين وروسيا مثلا، على الدعاء على الكفار ، وذلك دون تمييز او تصنيف .
وهذا مما لا يجوز شرعا ولا يتفق البتة مع التشريع الاسلامى الحنيف ، ولكن قبل ان اوضح كيف ذلك لابد ان اذكر ان السبب الرئيسى الذى دعانى لان اكتب عن هذا الموضوع هو ان الغرب الصليبى الذى يتصيد الاخطاء والزلل من المسلمين ليعممها ويقدمها للعالم على ان هذا هو الاسلام ، قد بدأو كعادتهم من خلال احد برامجهم المشبوهة اثارة هذه النقطة وتقديمها لمواطنيهم فى بريطانيا وامريكا  (على ان هذا السلوك من الخطباء والائمة هو من تعاليم الاسلام الذى يحرص على ترسيخ افكار نبذ الاخر واحتقارة والتقليل من شانه) . وهكذا  انتبهت الى مسألة خطيرة كانت للاسف الشديد غائبة عن ذهنى طويلا، ولمعت فى ذهنى فى الحال وقررت ان افكر مع نفسى بصوت مرتفع  حتى اصل الى اصل المسألة  ، فعكفت ابحث وافند الادلة من القرآن والسنة وممارسات النبى ( ص) وصحابته (رض) حتى توصلت الى ان الدعاء على الكفار بصفة عامة من دون تمييز او توصيف لهو امر مرفوض شرعا ولا يخدم الاسلام والدعوة الاسلامية بل على العكس يتسبب ذلك فى نفور الاخريين من الاسلام كدين وعقيدة.
.......................................................
المسألة يمكن تفصيلها فى النقاط التالية
اولا - ان الاصل كان  الاستغفار للكفار وكان هذا هو فعل الرسول عليه الصلاة والسلام وكان فعل سيدنا ابراهيم من قبله عندما استغر  لابيه ، حتى نزلت اوامر الهيه تمنع الرسول عليه الصلاة والسلام من الاستغفار للكفار :
  
( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ( 80 ) )
يُخْبِرُ تَعَالَى نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ لَيْسُوا أَهْلًا لِلِاسْتِغْفَارِ ، وَأَنَّهُ لَوِ اسْتَغْفَرَ لَهُمْ ، وَلَوْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ لَهُمْ .
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ السَّبْعِينَ إِنَّمَا ذُكِرَتْ حَسْمًا لِمَادَّةِ الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ فِي أَسَالِيبِ كَلَامِهَا تَذْكُرُ السَّبْعِينَ فِي مُبَالَغَةِ كَلَامِهَا ، وَلَا تُرِيدُ التَّحْدِيدَ بِهَا ، وَلَا أَنْ يَكُونَ مَا زَادَ عَلَيْهَا بِخِلَافِهَا .
وَقِيلَ : بَلْ لَهَا مَفْهُومٌ ، كَمَا رَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : أَسْمَعُ رَبِّي قَدْ رَخَّصَ لِي فِيهِمْ ، فَوَاللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ ! فَقَالَ اللَّهُ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ عَلَيْهِمْ : ( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) [ الْمُنَافِقُونَ : 6 ] .
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ : لَمَّا ثَقُلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ، انْطَلَقَ ابْنُهُ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : إِنَّ أَبِي قَدِ احْتُضَرَ ، فَأُحِبُّ أَنْ تَشْهَدَهُ وَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ . فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : مَا اسْمُكَ . قَالَ الْحُبَابُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ . قَالَ : بَلْ أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، إِنَّ الْحُبَابَ اسْمُ شَيْطَانٍ . قَالَ : فَانْطَلَقَ مَعَهُ حَتَّى شَهِدَهُ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ وَهُوَ عَرِقٌ ، وَصَلَّى عَلَيْهِ ، فَقِيلَ لَهُ : أَتُصَلِّي عَلَيْهِ [ وَهُوَ مُنَافِقٌ ] ؟ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَالَ : ( إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ) وَلَأَسْتَغْفِرَنَّ لَهُ سَبْعِينَ وَسَبْعِينَ وَسَبْعِينَ .
وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وقَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ . رَوَاهَا ابْنُ جَرِيرٍ بِأَسَانِيدِهِ .
وهكذا كان الرسول يريد  (الرخصة ) للدعاء لهم بالمغفرة ، ولكنهم من شدة طغيانهم وجحدهم اخبره الله انه مهما استغفر لهم فلن يغفر الله لهم . 
......................................................
ثانيا - كلنا يعرف قصة ذهاب الرسول الى الطائف ليدعوهم الى الاسلام وكيف ان اهل الطائف قابلوه بالاهانة والتنكيل حتى سلطوا عليه سفهائهم واطفالهم يقذفوه بالحجارة حتى دميت قدماه الشريفتين .
فماذا حدث ، هل رفع الرسول يديه الى السماء يدعو عليهم ، هل سخط عليهم .
بل انه دعا لهم بالهداية ، وعندما  جاءه ملك الجبال و قال له : لو شئت لأطبقن عليهم الأخشبين ( الجبلين ) فرد عليه الصلاة و السلام : لا عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله . فقال الملك : صدق من سمّاك رؤوف رحيم . و بالفعل صدق الله تعالى حينما قال : "
لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم بالمؤمنين رؤوف رحيم" التوبة
فى الوقت الذى دعا موسى على آل فرعون قائلا
"و قال موسى ربنا إنك آتيت فرعون و ملأه زينة و أموالا في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم و اشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم "  .
وفى الوقت ايضا الذى دعا فيه سيدنا نوح على قومه قائلا 
و قال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا إلا فاجرا كفارا)". نوح(
..................................................
ثالثا - فى حالة الحرب مع الكفار رفض الرسول ايضا ان يدعو عليهم 
 و في غزوة أحد حفروا للنبي صلى الله عليه و سلم فسقط فيها على وجهه و ارتطم بصخرة و سقطت سناه الأماميتان و ملأ فمه دما ثم جاء بن قمئة فضربه على خوذته حتى غارت في رأسه و دخل الحديد المدبب في خديه و بصعوبة أزالوها عن وجهه الكريم و قالوا ادع
عليهم يا رسول الله فقال : " إني لم أبعث لعانا و إنما أنا رحمة مهداة " و رفع يده و قال : "اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون"
وهذا لهو ابلغ دليل واقوى حجة عى هؤلاء الذين يسيئون الفهم فما يون منهم الا ان يقدموا اسوأ صورة عن الاسلام فى اذهان الاخر.


أعتقد يا أحبتي في الله أنه يكفينا بالنعمة نعمة أن الله تعالى ربنا و مولانا و معبودنا و يكفينا بالنعمة نعمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء و المرسلين رسولنا و قدوتنا و شفيعنا و يكفينا بالنعمة نعمة أن القرآن الكريم العظيم كتابنا و دستورنا...


...........................................
الا ان الرسول عليه السلام دعا على الكفار ايضا
فمن السنة القنوت في الصلوات الخمس عند النوازل، وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلةٍ بالدعاء المناسب لتلك النازلة، وإذا سمَّى من يدعو لهم من المؤمنين، ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناًويشرع الدعاء على كل من ظلم المسلمين وسفك دمائهم، وخرب ديارهم ومساجدهم، ومن السنة الدعاء بمثل دعاء خبيب رضي الله عنه (اللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تبق منهم أحداً).
هذا خلاصة ما جاء في فتوى الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله- بجامعة القدس بفلسطين-
وايضا عندما ثبت انه دعا  على الذين غرروا بأصحابه عند بئر معونة من قبائل رعل وذكوان وبني لحيان وعصية، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم دعا عليهم ثلاثين صباحاً، والقصة في صحيح البخاري، كما صح أنه كان يدعو على مضر.
وفي القرآن الكريم عن موسى عليه الصلاة والسلام: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ [يونس:88].
والأدلة على جواز الدعاء على الظالم كثيرة جداً
ا ان هذا له ضوابطه التى لا يجوزتجاهلها بأى حال من الاحوال:
اذ يجب علينا ان نوضح من الذى ندعو عليه ومن الذى لا ندعو عليه.. اذ لا يعقل يا اوانى ان ندو على كفار البرازيل ثلا وليس بينا وبينهم حبا ، وهم لم يستعدوننا عليهم ولم يثيروا عداوتنا، فالدعاء اذن على الكفار لابد وان يكون بتمييز المدع عليهم من الذين يحاربوننا ويصدونناعن ديننا وليس الدعاء على الكافر لى الاطلاق فهذما يثير الاخر علينا بل لهو من مقتضيات التناقض بين قيم التعايش فى
الاسلام. وانه لا يكون الافى النوازل والمحن والشدائد.
لا شك أن قضية الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وتخليص الناس من كل ألوان العبوديات، وإخراجهم من عبادة العباد إلى عبادة الله،  ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، واستنقاذهم من حياة الضنك نتيجة إعراضهم عن منهج الله تعالى، وإلحاق الرحمة بهم، ووضع إصراهم والأغلال التي عليهم هي من أخص خصائص المسلم وأبرز مسؤولياته، وهي الأمانة التي قبل حملها عندما رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً الذي كانت الغاية من إرساله، ومن رسالته: إلحاق الرحمة بالعالمين، قال تعالى:

(وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين ) (الأنبياء: 107)، فكانت مهمته الأولى البلاغ المبين:

(ما على الرسول إلا البلاغ .. ) (المائدة:99).

(وما على الرسول إلاّ البلاغ المبين ) (النور:54).

العكوف على تربية الذات

لذلك يبقى الأمر المطروح دائماً على المسلم الذي يسير على قدم النبوة أن يبدأ بتنمية نفسه وتزكيتها بالإسلام ليكون على مستوى خطاب التكليف، قال تعالى:

(قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسَّاها ) (الشمس: 10).

وأن يطور وسائله في الدعوة إلى الله ليكون في مستوى المهمة التي يتطلبها إسلامه وعصره على حد سواء قال تعالى:

(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ) (النحل: 125)، وقال:

(ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌ حميم )(فصلت:34)..

فالمسلم مطالب دائماً أن يمارس عملية العكوف على الذات لتربيتها على أمر الله، وأخذها بشرع الله، ولا نعني بذلك ضرباً من السلبية والهروب من الحياة، وفقدان التوازن الاجتماعي وذلك بالانسحاب من المجتمع، والانقطاع إلى الرياضات الروحية في الكهوف والجبال، وممارسة الزهد الأعجمي بترك التعامل مع الحياة، وإنما نرى أن ميدان تربية الذات وتزكيتها أكبر من ذلك بكثير، إنه الحياة بكل ما فيها من جوانب الخير والشر؛ إنها التربية الميدانية التي لا تتم إلا من خلال الممارسة والمعيشة الاجتماعية، والمعاناة اليومية والتحديات المحيطة، واستشعار هذه التحديات، وعدم الذوبان والسقوط أمامها، وإنما الصلابة والاستيعاب وحسن المواجهة، وإن اختلفت فيها مساحة الكر والفر حسب الظروف ومقتضى الحال، ذلك أن التربية الذاتية، أو العكوف على تربية الذات بهذا المعنى هو الذي تفرد به الإسلام عن سائر الأديان، بزهدها ورهبانيتها، وسلبياتها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق