الثلاثاء، مارس 10، 2009

في ندوة بنقابة الصحفيين>>طارق البشري: يجب النظر لمصر باعتبارها بلد محتل!

محيط - شيرين صبحي
نظم منتدى محمد عودة بنقابة الصحفيين المصريين ندوة تحدث فيها المستشار طارق البشري حول "محنة الأمة" وأدارها الأديب بهاء طاهر.
وقال بهاء طاهر أنه تعرف بالمستشار البشري عن طريق مجلة "الكاتب" في الستينات من القرن الماضي عندما كان ينشر فصول كتابه عن "الحركة الوطنية منذ 1945 إلي 1952 ، قائلا : " وكنت اكتب بابا عن النقد المسرحي، وعندما سافرت إلى خارج مصر قرأت كتابه البديع عن الأقباط والمسلمين في إطار الجماعة الوطنية، وأدهشني أن يكون هذا الكتاب الممتلىء بالحب لأبناء هذا الوطن، قد صودر في حينها، ولكن الدهشة زادت بعد أن رأيت ما يحدث في هذا الوطن الجميل. وتابعت بعد ذلك المقالات والكتب التي كان يكتبها منذ الثمانينات وحتى الآن".
استهل البشري حديثه محاولا تشخيص ماهية المحنة التي تواجهنا، محددا محاورها وهي الهيمنة الغربية، الانقسام بين قوي الأمة، والتفكك في قوي الأمة.
وعن الهيمنة يقول أنها غربية عموما وأمريكية علي وجه الخصوص علي مقدرات هذه الأمة، موضحا أننا نعيش في عصر الاستعمار ومقاومته، وهذا ممتد علي المائتين عاما الماضية.
وأضاف "أقصد بالهيمنة أن الإرادة الرسمية لدينا تدور في إطار المشيئة الأمريكية"، وعلق أنه لا يجد تشاؤما كبيرا في مقاومة تلك الهيمنة لأننا عايشناها في صور عديدة وتغلبنا عليها، فعرفنا الاحتلال العسكري الأجنبي، السيطرة الاقتصادية، الحصار الاقتصادي، والاحتلال الحضاري، وعرفنا في الفترة الأخيرة الاحتلال من خارج الحدود.

وأوضح البشري أننا قاومنا كل هذه الأنواع بالوسائل المختلفة كالعمل العسكري في الجزائر، والسلم في مصر والسودان، وبتنشيط مؤسسات العمل الوطني السياسي والاقتصادي. واخترنا دائما من الوسائل ما يلائم الظروف والبيئة واللحظة التاريخية وخضعنا لتجارب الخطأ والصواب، وخضنا مراحل صراع، ولدينا من التجارب ما نستدعيها لنتعامل مع واقعنا الحاضر.
جانب من الندوة
النصائح الملزمة
وأضاف أننا نعاني الآن من مشكلة جديدة علينا وهي الاحتلال من خارج الحدود وأقصد به الاحتلال العسكري والذي يقوم بإلغاء الإرادة الوطنية ويجعلها لا تقوم بل تعبر عن مشيئة الاحتلال، والإنجليز عندما احتلوا مصر لمدة 70 عاما كانوا يقومون بهذا وعندما سألوا وزير بريطانيا في القرن ال 20 كيف تحكم مصر قال "بالنصائح الملزمة" .
وأشار البشري إلي وضع مصر، موضحا أن أمن كل بلد مرتبط بحدوده القطرية، ووضع مصر اليوم بوجود إسرائيل بجوارها التي من وظائفها الأساسية التحكم في هذه المنطقة بما فيها مصر، تهديد الأمن القومي لمصر، وسيناء منزوعة السلاح والسودان يفكك اليوم، والبحر الأحمر وخليج عدن بفعل القرصنة يؤدي لتهديد آمن المنطقة.. هذا هو واقع مصر، محتلة من خارج حدودها، ويجب أن ننظر إلي مصر باعتبارها بلد محتل!
وتحدث عن الانقسام علي الصعيد الشعبي بين التيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلي مستوي الوطن العربي سنجد في العراق سنة وشيعة وعرب وأكراد، في السودان نجد الجنوب والشمال، مسلمين وغير مسلمين، في سوريا ولبنان سنجد الطوائف، في السعودية توجد القبائل، وكل هذه مشاكل يمكن إثارتها لصالح الأجنبي.
وأوضح أن لبنان خاض حرب طوائف وكان القتل علي الهوية، وفي الفترة الأخيرة حدثت خلافات شديدة جدا ولازالت قائمة ومع ذلك استطاعت الطوائف المختلفة أن تخرج هذا الخلاف الطائفي من الدائرة السياسية.
وفي العراق هناك شيعة وسنة وعندما ننظر لتجربتها في فترة الاستقلال من الثلاثينات حتى نهاية القرن العشرين علي مدي 70 عاما تقريبا، كان هناك من الوزراء ورؤساء الوزراء الشيعة عدد كبير جدا، وأيام صدام حسين -وما قيل عنه من ضرب للشيعة- عندما احتل الأمريكان البلد وبحثوا عن قيادات صدام حسين لاعتقالها ووضعوا قائمة بها 55 من المقربين للقبض عليهم، وجدوا 30 منهم شيعة!
بالنسبة لمصر ليس لدينا قبائل أو خلافات طائفية تصل لحد المشاكل بالنسبة لنا وكلها في إمكانية الحلول، ولكن علينا أن نلاحظ شيء في خلال الفترة التي اعقبت كامب ديفيد، وجدنا الصراعات في مصر ليست سياسية ولا طائفية ولكن فكرية.
وأوضح البشري أننا ظللنا لمدة 20 عاما نتناقش في مشاكل فكرية أيديولوجية ونسينا أين بلدنا، وأعطي مثالا لملامح الصراعات التي جرت في مصر وبداية التغير فيها.. ما قبل تأثير كامب ديفيد والسياسات التي اتبعت بعدها، سنجد المشاكل كانت تتمثل في الحرب والسلم مع إسرائيل، بيع هضبة الأهرام أو عدم بيعها للأجانب، دفن النفايات النووية، كانت هذه المشاكل المطروحة علي الشعب المصري، كذلك تكوين الأحزاب وطريقة تكوينها، قوانين الحريات في ظل الاستبداد، قانون المحكمة الدستورية وقانون القيم.. كلها قضايا تتعلق بطموح شعبي للاستقلال ومقاومة استبداد الدولة ومقاومة المشروعات الأجنبية الموجودة.
بعد عام 1984 القضايا التي أثيرت لدينا مثل شقة الزوجية، التعامل مع الصور الفنية وإذا كان نشرها نوع من الإباحة أم إبداع، سلمان رشدي وكتابه، تسليمة نسرين وتعرضها للمقدسات الدينية، وشركات توظيف الأموال، موضحا أن نوعية القضايا اختلفت وبهذا يعاد تصنيف الناس تصنيف أخر، حيث كانوا يتجمعون في السابق علي قضايا الوطن.
وأضاف البشري: أما في الصراعات الدولية فنجد أن قبل 1984 كانت هناك الحروب العربية ضد إسرائيل، وحرب فيتنام ضد أمريكا، حرب تحرير أفغانستان، ثورة إيران.. كلها تتعلق بصراعات الجنوب مع الشمال أو الشرق مع الغرب.



تصارع في غير معركة
وأكد البشري انه من مايو 2000 الي يونيو 2001 كانت تثار قضية فكرية كل ثلاثة او أربعة أشهر ويختلف عليها الناس، مثل موضوع حيدر حيدر، صحيفة النبأ وتصويرها لأحد رجال الكنيسة والموضوع التي أثارته، ثلاث قصص صدرت عن وزارة الثقافة وأثارت جدلا، معلقا " هكذا يتضح كيف أن كلا طرفانا تصارع في غير معركة".
في نفس تلك الفترة كان هناك عدوان أمريكي جوي علي العراق وضرب مواقع عراقية، وفي حروب في السودان وأحداث في الشيشان واندونيسيا والجزائر.. كل هذا كان يحدث ونحن مختلفين علي "حيدر حيدر" وغيرها، والمسألة هنا يمكن تسميتها بكيمياء التفكك.
حرب العراق مع الكويت أعاد صياغة الأمور ونقلنا للتصنيف السياسي وليس الايدولوجي، كما يشير طارق البشري، لان صدام مستبد وحارب الكويت، بينما استنجدت مصر والسعودية بالأمريكان، فهل يجوز الاستنجاد بالاحتلال الاجنبي في أرض عربية من ناحية؟!
وعلي الجانب الأخر هل الاستبداد هو الأولى بالمقاومة أم الوجود الأجنبي علي أرضنا؟ هذه الأمور أحدثت الانقسام وقتها داخل الاخوان المسلمين والشيوعيين والقوميين، فكان كل فريق منهم منقسما بداخله، وبدأ التقسيم يأخذ شكل سياسي وليس شكلا ايديولوجيا وهذه كانت خطوة مهمة جدا أمكن بها بناء وطن اكثر تقاربا في اتجاهاته السياسية . فهذه كانت مقدمة علي اعادة التصنيف علي أساس سياسي .
وتحدث البشري عن التفكك الذي أصاب الأمة، موضحا أن له مجالين الاول يتعلق بجهاز الدولة، والاخر يتعلق بالتكوينات التنظيمية لهذه الدولة، وبداية لا يوجد عمل جماعي إلا كان منظما، ولابد ليكون عمل منتج أن يكون جماعيا، وفكرة التنظيم فكرة جوهرية وهي العمود الفقري لأي عمل جماعي مطلوب منه توجيه أمة.
وأضاف: نحن اليوم نتكلم عن الشعب المصري وقبوله لكل ما يحدث له اليوم، معلقا أن "الشعب المصري غير صامت وانه خلال الثلاث اعوام الماضية وكل ما نشأ من حركات احتجاجية، لو جمعناها في ثلاثة أشهر لأحدثت تغيير شامل، ولكنها تمت بشكل غير مكثف علي ثلاثة سنوات".
شخصنة الإدارة
أشار البشري لمسألة شخصنة العمل الاداري، موضحا أننا نجد في المجتمع المصري أو المجتمعات الشرقية، أن الإدارة التقليدية كانت موجودة حتي ثورة 19 والادارة التقليدية بمعني الشخصية وهي أقل كفاءة من الادارة الحديثة، وتكون عبارة عن جهاز دولة مركزي ويوازنه مجموعات من التكوينات الاجتماعية الأهلية لا تتبع الدولة وتدار إدارة شخصية أيضا ولكن يكون هناك توازن بين الدولة والمجتمع المدني في اسلوب الإدارة وفي القوة والفاعلية.
وأوضح أنه علي مدي القرن التاسع عشر بدأ يظهر إسلوب الإدارة الحديث، واكتسبت الدولة قوة كبيرة جدا من حركات المجتمع المدني، وكانت أكثر قدرة علي النشاط .
الدولة المصرية أخذت ثلاث مراحل أساسية في بناءها، كما يشير البشري، الأولي أثناء حكم محمد علي، والثانية بدأت من حكم اسماعيل حتي اوائل القرن العشرين حيث كانت الادارة أكثر حداثة، والمرحلة الثالثة في تحديثها كانت فترة عبدالناصر. مضيفا "الغريب أن من يتحدثون عن عبدالناصر دائما ما يتحدثون عن النهضة الاقتصادية التي قامت وعن الاستبداد السياسي ويغيب عنهم ما حدث للادارة المصرية من تطور كبير جدا".
وأوضح البشري أنه قبل النظام الناصري كانت الادارة تعتمد علي إدارة الرجل الواحد، وتغير هذا إلي هيئات ومؤسسات عامة، وشركات وقطاع عام، وتتغير أساليبها من جهة لأخري حسب تخصصاتها المختلفة، وكان النظام جيدا وفعال وهذا ما أدي لحدوث نهضة في تلك الفترة، فلم يكن من الممكن أن تدير قناة السويس وأنت تعتمد علي إدارة الرجل الواحد، أو تبني السد العالي أو تبني ألف مصنع بهذا النظام.
وأضاف أن بناء الدولة الحديثة بهذه الفاعلية الإدارية القوية جدا قد تم علي حساب المجتمع الأهلي، فالنشأة الحديثة للدولة المركزية لم يواكبه نشأة حديثة في هيئات المجتمع المدني، موضحا أن عبدالناصر أورثنا مجتمع مدني ضعيف جدا، إنما في نفس الوقت دولة قادرة علي العمل وإدارة المجتمع بشكل ما تكفل الضرورات والخدمات والأنشطة المختلفة لهذا المجتمع.
الفترة التالية كان فيها تناقض بين الإرادة السياسية للإدارة وبين التكوين الجماعي الحديث لادارة الدولة في مصر، وقسم الدولة في الخمسة وثلاثين عاما الماضية إلي ثلاث مراحل، من 1975 حتي 1990 ، ومن 1990 حتي 1999 ، والمرحلة الأخيرة من 1999 حتي اليوم، وهي مراحل تطور جهاز إدارة الدولة في مصر.
في المرحلة الأولي كانت لا تزال هناك موروثات فترة الخمسينات والستينات في السلطات ولكن دخلت تعديلات سياسية كثيرة جدا من ناحية الانفتاح وغيرها، حيث تعمل قدر من التوازن داخله حملته المجموعات التي كانت تعمل في إطار السلطة بتقالدها.
وأضاف البشري أن ما بين 1990 حتي 1994 حدث شىء مهم جدا وهو أن هذا الجهاز برغم مساوئه كان يستطيع أن يدير، "وفي مرحلة مقبلة لن نجد من يستطيع الإدارة تماما.. نحن مقبلين علي فترة من الضياع".
في عام 1990 انتهت الثنائية الدولية وظهر القطب الواحد، وزادت الهيمنة الأمريكية جدا علي المنطقة بعد حرب العراق علي الكويت، وفي الدخل حدث تفرق في السلطة اكثر كثيرا من السابق.
البشري أو ضح أن هناك قوانين ظهرت منها قانون 203 لسنة 1991 بشأن قطاع الأعمال العام وعلي أساسه أشيعت اللامركزية وعليه تقوم المسئولية علي حسب الأهداف وليس حسب الوظائف. وقامت شركات قابضة وأصبح هذا الوضع السائد وأنشئت 316 شركة ، وترتب عليها أن فقد جميع فئة المديرين استقلاليتهم وقدرتهم علي حفظ وجودهم الوظيفي.
وقبلها ظهر قانون 5 لسنة 1991 أدي لتعيين القيادات عن طريق المسابقة، وبذلك فقد العاملين ضمانات وجودهم وأصبح يعمل عام بعام أو عامين بعامين وتحولت العلاقة من رئيس بمرؤسه، إلي علاقة رئيس وتابع، حيث تحول المرؤوس إلي تابع وهذه علاقة أخري تماما .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق