الجمعة، يوليو 25، 2008

نقاط عابرة عن مذكرة توقيف الرئيس السودانى(بقلم انور مالك)

عندما طالب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الأرجنتيني الذي يوصف بـ العنيد لويس مورينو اوكامبو بإصدار مذكرة توقيف في حق الرئيس السوداني عمر البشير، وقفت الدنيا ولم تقعد في العالم العربي الرسمي، وهب وزراء الخارجية العرب واجتمعوا تحت قبة ما يسمى بدعا الجامعة العربية، من أجل إنقاذ رأس البشير من حبال المحكمة الدولية، ولقد كانت لي عدة ملاحظات حول ما يجري، رأيت من الضروري تسجيلها هنا باختصار جد شديد...أولا- أن مذكرة التوقيف لو شملت كل من ثبت عليهم إجرامهم في حق الإنسانية، لكان لنا التأييد المطلق للمحكمة الجنائية ومن دون أدنى تردد، لأن لا أحد يستطيع أن ينفي ما قام به النظام السوداني في إقليم دارفور والأقاليم الأخرى من جرائم يندى لها الجبين، ومحاسبة هؤلاء محليا صارت من عداد المستحيلات... لكن العدالة الدولية التي تستثني جورج بوش وطوني بلير وأولمرت، هي بلا شك عدالة مزيفة تستحق أن نحاسبها أيضا، قبل أن نشيد بالإجراءات التي تقدم عليها في حق مجرمين عرب أو من غير العرب.ثانيا- أمر القبض على الفريق عمر البشير يندرج ضمن خطوة أولى في طريق النضال نحو محاكمة كل الرؤساء العرب وأنظمتهم، ويكون في أطر دولية لأنه من المستحيل مطلقا تحقيق ذلك عربيا ولا حتى محليا، والأمل معقود على المنظمات الحقوقية غير الحكومية ونشطاء حقوق الإنسان في إيصال رؤوس كل من تلطخت أيديهم بالدماء للحساب والعقاب، سواء كان جورج بوش أو جنرالات الجزائر أو حسني مبارك أو بن علي أو الأسد... الخ، أو حتى تلك المنظمات المسلحة أو الإنفصالية أو الإرهابية التي بدورها ارتكبت جرائما في حق المدنيين.ثالثا- أن الالتفاف العربي الرسمي حول ما سميت بـ محنة السودان هو استباق للأحداث، فكل هذه الأنظمة تورطت في جرائم ضد الإنسانية، من تعذيب في السجون والمخافر وانتهاكات للأعراض، إلى قتل وإبادات جماعية للقرى والمحتشدات، فالزعماء الذين هبوا كما يزعمون لنجدة البشير من ورطة ما توقعها أبدا، هو خوف على رؤوسهم التي بلا شك ستكون يوما تحت حبال المشانق، فعمرو موسى قال انهم لن يتخلوا عن الرئيس السوداني، ولكنهم تخلوا من قبل عن صدام ولم ينبسوا ببنت شفه في اغتياله بعد الاعتداء العسكري على بلاده، وتخلوا عن الرئيس ياسر عرفات حتى قتل مسموما، فترى ماذا سيفعل هؤلاء لأجل حماية الرئيس البشير ومنه حماية أعناقهم؟.رابعا- العنف ما عاد يجدي نفعا الآن، والمعارضة المسلحة مآلها الفشل الذريع، فالأنظمة تتقن فنون العنف والعنف المضاد، لذلك فإن أي معارضة تلجأ لتنظيمات مسلحة لن تحقق شيئا، مادامت أمام هذه الأنظمة التي أفرخت من الثكنات والدوائر العسكرية، والحل الوحيد أمام ضحايا همجية الأنظمة الشمولية والعسكرية والديكتاتورية في العالم العربي والإسلامي، هو اللجوء إلى المحاكم الخاصة والدولية، والتي صارت في ظل وجود منظمات حقوقية لها حضورها، تستطيع أن تحول من حياة هؤلاء الديكتاتوريين إلى جحيم... فضحايا مجزرة حماة في سورية ومجازر الجزائر ولبنان والعراق وأفغانستان والصومال والأحواز في إيران وغيرهم، وبالتعاون مع المعارضين المتواجدين في الخارج، سيستطيعون تحقيق مكاسب لن يصلوا إليها أبدا لا بالعمل المسلح ولا بالثورات المدنية الشعبية التي مآلها الفشل غالبا، إلا في حالات معينة وتحت طائلة خصوصيات مميزة وممحصة.خامسا- ضرورة تكتل وحدوي تنظيمي للمعارضين المتواجدين في الخارج، سواء كانوا حقوقيين أو سياسيين أو مثقفين أو حتى فنانين، من أجل التعاون في ما بينهم والمطالبة بمحاكم دولية خاصة تبت في قضايا وجرائم ارتكبها الحكام العرب أو من غير العرب بمختلف تاريخهم وتوجهاتهم، وهذا الذي بلا شك سيربك هؤلاء الحكام ويرعبهم، على الأقل يجعلهم يقلعون عن مثل هذه الجرائم والانتهاكات مستقبلا، إن استطاعوا أن يفلتوا من العقاب بضخ النفط والمال في جيوب الخفافيش...سادسا- يجب رفع الحصانة أمام القضاء لأي كان، فهؤلاء الذين يحاولون ربط سيادة البلد بمتابعة قضائية دولية للحاكم، هم مرتزقة وتجار يبحثون عن الريع ليس إلا، لأنه لا يجوز لأي كان أن يركب فوق القانون الإنساني، مهما علت مرتبته ومسؤوليته... فالقول بان الرؤساء يتمتعون بحصانة بالرغم من ثبوت الجرائم عليهم، هو حديث مخالف للقوانين البشرية التي وجب ان تحكم الناس من على الأرض، فالرئيس العربي الذي يعجز القضاء المحلي متابعته ولا الضحايا يتمكنون من الاقتصاص منه، فلهم كل الحق في اللجوء نحو القضاء الدولي لأخذ حقوقهم، ومن لم يفقد قريبا في ظلم الحكام لا يمكن أن يهضم هذا منا.سابعا- لو كان القضاء مستقلا بمعنى الكلمة في الدول العربية لتحرك بمحض إرادته لمجرد إخطار بوجود تجاوز مهما كان مصدره، وخاصة في مثل مذكرة توقيف دولية تتعلق بجرائم ضد الإنسانية، ولكن ما جرى للرئيس السوداني أكد أن القضاء العربي كله بلا استثناء هو مجرد قطاع يتبع للسلطة التنفيذية ويعمل تحت أمرها ووصايتها، لهذا لا يستطيع أن يتحرك ضد الرئيس المتابع دوليا ولو بفتح تحقيق يحفظ ماء الوجه، فضلا من كل ذلك أن إدانة الرئيس البشير داخليا لا غبار عليها، ولا يختلف اثنان حول تورطه في جرائم حرب وإبادة، ولهذا الربط بين المتابعة والسيادة والاعتداء على الأمة من خلال حاكم ظالم مستبد، هو ربط مقصود يراد منه الهروب من لب الموضوع نحو إثارة المشاعر الوطنية والدينية التي تتقنها هذه الأنظمة.ثامنا- إن محاولة الربط بين ما جرى للرئيس الراحل صدام حسين وما يجري للرئيس السوداني الذي وصل للحكم بإنقلاب عسكري في 30 يونيو 1989، هو محاولة استغلال عواطف الجماهير العربية التي هالها ما جرى من إهانة من طرف الصفويين وعملاء إيران وبدعم من الإحتلال الأمريكي الغاشم، صباح يوم عيد مقدس ومبارك، هذا حتى تتحرك هذه الغرائز والمشاعر التي لا زالت متحسرة وناقمة لأجل أن تهب لنصرة البشير، وهنا نسجل الفرق الشاسع بين الحالتين، فالعراق دولة محتلة وما جرى لرئيسها ومهما كانت جرائمه من قبل في حق شعبه، يتنافى والقانون الدولي، لأن الرجل كان أسير حرب يحمل رتبة رئيس دولة وقائدا للجيش، فضلا من كل ذلك أن محاكمته لم تكن عادلة أصلا، لأن المحكمة هي محكمة احتلال وصورية وإنتقامية وليست محكمة مستقلة تتمتع بكل الشروط اللازمة لأجل تمكين السجين من حقوقه الإنسانية والآليات القانونية، أما الرئيس البشير فهو في منصبه وبلاده غير محتلة، وما جرى هو اتهامه من قبل محكمة جنائية دولية بارتكاب جرائم حرب، وكان الأولى هو إثبات البراءة عن طريق فتح المجال للمنظمات الحقوقية غير الحكومية للتحقيق في كل ما يجري، أو إنشاء محكمة عربية مستقلة تتكون من قضاة يشهد لهم بالعدالة والنزاهة، للنظر في قضية هذا الاتهام الخطير للغاية، ولكن أن تتحول إلى شعارات سياسية وسيادية فضفاضة تدغدغ مشاعر العرب بعواطف ثورية بائدة، فذلك هو الدليل القاطع على تورط هؤلاء في دماء أبرياء، ويؤكد استمرار كرههم للعدالة وحقوق الناس والمظلومين والمضطهدين.تاسعا- القذافي لما تحدث في القمة العربية الأخيرة بدمشق، من أن الحكام العرب كلهم مستهدفون، بعد تصفية الرئيس صدام حسين بطريقة قذرة وبشعة، كان على وعي تام من أنهم كلهم عملاء متورطون في حق شعوبهم، فضلا من كل ذلك أن ما جرى لصدام كان بأيادي عراقية تحالفت مع الشيطان للانتقام من رئيس اضطهدهم من قبل، وهو خطأ فادح لا يمكن أن يقوم به أي شريف، لكن في الوقت نفسه أن الحكام لا خير لهم في شعوبهم، ممكن أن يشفع لهم في مثل هذه الحالات التي يحتدم بهم وطيس الحساب الدولي... البعض من المعتوهين راحوا يروجون لنظرية القذافي الذي يعتبر من الرؤساء العرب الذين ارتكبوا انتهاكات صارخة في حق الشعب الليبي، لو وجد من يحاسبه لكان توأم البشير في رحلته هذه، والذي هو الرئيس الثالث الذي يتابع من طرف هذه المحكمة التي تأسست عام 2002، بعد الرئيس الليبيري تشارلز تايلور، والرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش المتوفي بزنزانته في مارس 2006.عاشرا- الحكام العرب لهم أحد الخيارين اللذين لا ثالث لهما، من أجل إنقاذ أنفسهم من أوامر توقيف دولية ستصدر مستقبلا بلا شك، وخاصة في ظل الوعي الحقوقي الذي صار يسري بين الشعوب المضطهدة والمستغلة والمحتلة، الخيار الأول وهو يتعلق بإنقاذ الفريق عمر البشير من صدور هذه المذكرة عن طريق إسقاط المدعى أوكامبوا من منصبه وبحيل دأبوا عليها، وصرنا نسمع حاليا عن فضائح تحرش جنسي قام بها هذا القاضي الأرجنتيني المثير للجدل والعنيد، أو عن طريق عدم إقرار هذه المذكرة من طرف المحكمة الجنائية، وهذا الطريق سيكلف الأنظمة العربية الكثير من المال والنفط والتنازل، الخيار الثاني وهو التآمر على الرئيس السوداني وتسليمه لقمة سائغة وبثمن بخس إلى المحكمة الدولية، وهذا الذي أعتقد أنه سيحدث، من أجل كسب ود الولايات المتحدة التي هي الإخطبوط الذي يحرك كل ذلك ومن وراء حجاب، يرتع فيه الصهاينة بلا حسيب أو رقيب.الحادي عشر- الرئيس السوداني أمامه أيضا ثلاث خيارات، إما أن يرفض هذه المذكرة ويكلف بلاده الكثير قد يصل للغزو العسكري، كما جرى مع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بالرغم من الإختلاف بين المشهدين والزمنين، لما رفض المبادرة الإماراتية – مثلا - المتعلقة بتنحيه من الحكم، الخيار الثاني ويتعلق بالرضوخ لمطالب الانفصاليين ومن ذلك تقسيم السودان نحو دويلات، في إطار المخططات الدولية لتقسيم العرب إلى دويلات فتات يسهل إحتواءها وبت النعرات بينها، حينها ربما سيفقد حكمه وسلطته، الخيار الأخير وهو الارتماء في أحضان إسرائيل عن طريق أمريكا، حيث يفتح لها سفارة ويعترف علنيا بالدولة العبرية، وتوبته النصوحة من عناده للمشاريع الأمريكية بالمنطقة وأبرزها رفضه بالكلام إحتلال أمريكا للعراق، وهو ما يحسب له في زمن الإنبطاح... فترى أي خيار اقترحه وزراء الخارجية العرب ونقله له عمرو موسى؟ وما موقف البشير من كل ذلك؟.الثاني عشر- الرئيس الأمريكي جورج بوش لم يقل بعد كلمته الفاصلة في القضية لأنه ينتظر ردود الأفعال منها، وهذا ربما الذي دفع الحكام العرب لإبداء مواقفهم علنا، ومن خلال رفضهم لهذه المذكرة إن أقرتها المحكمة الدولية، التي قد تستميل قلب بوش – إن كان له قلب - نحوهم، فترى كيف تكون مواقف هؤلاء إن أعلن بوش ما يناقض إجماعهم وأيد إجراء المحكمة الدولية؟ بلا شك سيدسون رؤوسهم في الرمل ويتركون البشير لمصيره المحتوم، إن لم يهب بعضهم لاقتراحات أخرى تدعوه إلى تسليم نفسه بعد انتخابات رئاسية وديمقراطية !! وأنهم سيشكلون له هيئة دفاع قوية... وهكذا، ولا أظن البشير غبي لهذا الحد، فهو يعرف طبيعة الحكام زملاءه في مواقف مثل هذه التي تقتضي الشجاعة والتحدي والرجولة، وهي مواصفات تنعدم في حكام بلداننا للأسف.الثالث عشر- الأنظمة ترفض دوما المنظمات الحقوقية غير الحكومية، وترفض لجان تحقيق حول ما يحدث داخليا من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، بزعم أن للبلد سيادة لن يتنازلوا عنها أبدا، ونذكر مثلا ما جرى بالجزائر التي ظلت ترفض لجان تحقيق دولية حول المجازر الفظيعة التي اقترفت في حق المدنيين إبان الحرب الأهلية، حيث أشارت الكثير من المصادر لتورط الجيش المباشر أو عن طريق الجماعات المتمردة بطريقة الاختراق أو التحكم عن بعد، وصل حد إدانة إعلامية دولية للجيش الجزائري، وذلك الرفض أكد بالفعل أن السلطات العسكرية تخشى الإدانة، والسيادة مجرد شعار رنان يرفع في غير محله، فترى لو قدم جنرالات الجيش للمحكمة الجنائية الدولية، فهل يمكن لأي كان أن يبرئ هؤلاء مما نسب إليهم؟ أليس من حق الضحايا أن يلجئوا للاقتصاص الدولي بعدما سدت في وجوههم كل الأبواب، وفضل النظام أن يمد يديه للقتلة سواء كان خالد نزار أو مدني مزراق، في حين تم إقصاء سياسيين داخليا وخارجيا لا علاقة لهم بكل ما يحدث وما حدث؟، للتذكير –فقط- أن الجزائر بدورها رفضت مذكرة التوقيف في حق الرئيس السوداني.الرابع عشر- إن ما تعانيه أمتنا من سيطرة على ثرواتها وخيراتها ومستقبلها من قبل القوى العظمى، هو بسبب حكامنا أولا وشعوبنا ثانيا، فالحكام لم تكن لهم مواقف تتماشى وتطلعات الأمة، والشعوب بدورها لم تتخذ مواقفا صارمة ضد هؤلاء العملاء، فالله حباها بثروات تسيل اللعاب والنفط يدر يوميا أكثر من 3 مليارات دولار، ولكن كل ذلك لم يستغل لصالح الأمة ولا حتى الأقطار، فالفقر والجوع والتشرد والبطالة تضربنا في العمق بسبب سياسة النهب والتجويع المنتهجة، وفي الوقت نفسه يوجد سلاح النفط الذي لو استغل منذ البداية أيما استغلال لصارت الدول العربية الغنية تملي قراراتها على العالم، وخاصة تلك التي تملك إحتياطات بترولية خيالية، ولكن بسبب حكام متسلطين وشعوب دأبت على الاستخفاف صارت أمتنا مستباحة، لذلك على نفسها جنت براقش إن رأينا حكامنا تترى يساقون كالماعز إلى حظيرة البهائم الدولية...هذه بعض النقاط العابرة التي جاش بها خاطري، رأيت من الضروري الإشارة إليها، ونحن نعيش حمى رسمية حول هذه المذكرة التي لا تزال مجرد طلب، لم تقرها بعد المحكمة الدولية، وأكيد لنا عودة للموضوع مرة أخرى، بعدما تنكشف الكثير من الخفايا وينجلي الغبار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق